أثار قرار محكمة تونسية بإلغاء مرسوم رئاسي متعلق بمصادرة أموال الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وأقاربه، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، لاسيما وأن الحكومة قدرت القيمة الإجمالية للممتلكات المصادرة للرئيس المخلوع وعائلته وأصهاره بقرابة 13 مليار دولار، وتتوزع هذه الأملاك بين شركات ويخوت وعقارات وسيارات فاخرة وغيرها، ما اعتبره البعض أنها ضربه قوية للثورة التونسية وعودة لدولة الفساد، خاصة بعد مطالبة أحد النواب السابقين بعودة بن على مرة أخرى للرئاسة قائلًا «ولا يوم من أيامك يا زين العابدين». وكانت المحكمة الإدارية في تونس قررت الأثنين إلغاء المرسوم المتعلق بالمصادرة، إثر دعوى ضد الحكومة تقدم بها صهر بن علي بلحسن الطرابلسي وعدد من أفراد عائلته، وقال مصدر قضائي لوكالة الأنباء التونسية إن هذا الحكم «ابتدائي وقابل للاستئناف، عملا بأحكام الفصل 64 من قانون المحكمة الإدارية»، موضحا أن استئنافه من قبل رئاسة الحكومة سيعطل تنفيذه. ويقضي المرسوم 13 الذي أصدره الرئيس السابق فؤاد المبزع عام 2011 بمصادرة جميع الأموال المنقولة والعقارية والحقوق المكتسبة بعد 7 نوفمبر 1987 والراجعة للرئيس السابق زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي وبقية الأشخاص المبينين في القائمة الملحقة بهذا المرسوم (عائلة بن علي والطرابلسي) وغيرهم ممن قد يثبت حصولهم على أموال منقولة أو عقارية أو حقوق جراء علاقتهم بأولئك الأشخاص». وقال وزير أملاك الدولة حاتم العِشي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية : إن المحكمة الإدارية قضت "بإلغاء المرسوم المتعلق بالمصادرة"، ووصف الحكم بأنه "قرار خطير جدا" و"صادم كثيرا"، وأكد عزم الحكومة الطعن في الحكم الصادر، مضيفا أن "قرار المحكمة أسقط كافة ما جاءت به الثورة ومسار المصالحة الوطنية"، مؤكدا أن إلغاء القرار الرئاسى يعنى أن كل القرارات الرئاسية التى لم تعرض على المجلس التأسيسى أو مجلس النواب قابلة للإلغاء، مشيرا إلى أنه صدر منذ شهر قرار بعدم أهلية المحكمة الإدارية للنظر فى ملف المصادرة. وأكد الوزير على أن هذا القرار يمكن 114 شخصا من عائلة بن على من استرجاع أملاكهم، إضافة إلى مطالبتهم بتعويضات، مشيرا إلى أن المكلف بنزاعات الدولة سيقوم باستئناف هذا القرار لدى المحكمة الإدارية الذى يوقف تنفيذ الحكم الابتدائي. هذا القرار لم يغضب بعض الوزراء بالحكومة فقط، إنما نزل على بعض القضاه أيضًا كالصدمة، لأن الحكم قد يترتب عليه نتائج سياسية ومالية كبرى في حال تم إقراره فضلا عن أنه يتضارب مع قانون العدالة الانتقالية الذي ينظر في انتهاكات حصلت في الماضي، بحسب ما صرح القاضي بالمحكمة الإدارية أحمد صواب في مؤتمر صحفي عقب صدور قرار المحكمة. وأضاف صواب "الحكم لن يسمح لعائلة الرئيس السابق بالمطالبة بأملاكهم فحسب ولكن أيضا بما فاتهم من مداخيل وهي تقدر بمليارات الدينارات وربما تفوق موازنة الدولة". وبعد أكثر من 4 سنوات من الإطاحة بحكم بن علي لا تزال السلطات التونسية تواجه صعوبات معقدة في تعقب واستعادة أموال منهوبة في الخارج والمطالبة بمحاكمة أفراد العائلة الحاكمة بتونس في قضايا تتعلق بالفساد والاختلاس وغسيل أموال والتورط في قمع المتظاهرين خلال أحداث الثورة. ويقيم الرئيس السابق وعائلته في السعودية بينما فر بلحسن الطرابلسي (شقيق زوجته) إلى كندا في حين يقيم صهره الآخر صخر الماطري (زوج ابنته) في جزر سيشل. وفي الوقت الذي أثار فيه القرار غضب الكثيرين، كان لنائب برلماني سابق في تونس يدعى إبراهيم القصاص رأي آخر حيث طالب زين العابدين بن علي بالعودة إلى حكم البلاد، مشيرا إلى أوضاع البلاد في عهده كانت أفضل من الوقت الحالي، وكتب على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك مخاطبا بن علي «سيدي الرئيس أنت قاتل، ربما، لكنك تقتل وجها لوجه وليس غدرا كما يفعلون الآن (...) أنت سارق، ربما، لكنك كنت تسرق من حليب البقرة التي تشبعها شعيرا، لكنهم سرقوا ضرع البقرة بكامله (...) الفقراء في عهدك كثيرون لكنهم الآن تضاعفوا عدة مرات بل أصبحوا يأكلون من المزابل (...) عائلتك سارقة، كلنا نعلم ذلك، لكنهم لم يسرقوا فقيرا يوما، كانوا يسرقون رجال الأعمال». كلام القصاص رآه البعض أنه تمهيد لعودة دولة زين العابدين مرة أخرى، واللعب على نغمة الاستقرار الاقتصادي والسياسي دون النظر إلى مساوئ النظام السابقة التي اتهمت كثيرًا، وهذا ما أكده القاضي أحمد صواب أن إلغاء مرسوم المصادرة سيمهد لعودة منظومة الفساد وسيصيب قانون العدالة الانتقالية في مقتل ويهدد بقية المراسيم، وقد يلغي انتخابات المجلس التأسيسي وما ترتب عليها.