من نافلة القول، إن السعودية الدولة الأولى التي دعمت النظام المصري الجديد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن هذا الدعم استند بالأساس إلى شخص الملك عبدالله، كضمانة لقوته واستمراره، ويمكن تلخيص أساس التلاقي بين الرياضوالقاهرة في الشهور الأخيرة لحكم الملك الراحل في 3 نقاط، أولها حاجة القاهرة إلى الدعم الاقتصادي والسياسي من الرياض، وثانها اتفاق النظامين على محاصرة ما تبقى من نفوذ لجماعة الإخوان في المنطقة، حيث رأى الملك عبدالله، أن صعود الإخوان في عدد من الدول العربية يشكل مع تركياوقطر محورا يهدد نفوذ وسياسات السعودية خاصة في الخليج على إثر تفضيل الإدارة الأمريكية التعاون مع هذا المحور لإنجاز سياسات إدارة أوباما، وهو الأمر الذي أوجد خلافات ثانوية بين الرياض وواشنطن كان على رأسها الموقف مما حدث في يونيو 2013 بمصر، والنقطة الثالثة هي حاجة السعودية إلى ظهير إقليمي يتمتع بقوة عسكرية يرتكن إليها عند أي متغير إقليمي في إطار صراعها مع إيران وما قد يتطلبه من اللجوء إلى عمل عسكري. وبالفعل أوفت كل من القاهرة والسعودية بتعهداتهما، فتولت السعودية أمر الدعم الاقتصادي العاجل لمصر، سواء بالقروض المالية العاجلة أو الودائع بالعملة الأجنبية لتحسين وضع مصر الائتماني كمحفز لجلب الاستثمارات، وغني عن الذكر أن فكرة المؤتمر الاقتصادي بنسخته الأولى "مؤتمر دعم مصر" كانت نتيجة لدعوة الملك عبدالله في نوفمبر من العام الماضي. كذلك ذهبت السعودية إلى الضغط على قطر لتسوية الموقف مع مصر إلى المرحلة التي تم فيها الاتفاق على إيقاف الدوحة لحملتها الإعلامية ضد النظام المصري، كذا ترحيل عدد من قيادات الإخوان، وصولا إلى التوصل لاتفاق برعاية السعودية جاء مكملاً لاتفاق المصالحة الخليجية، وأخيرا كان من الواضح إعلاميا أن النظام المصري الجديد يتعهد بحماية مصالح السعودية ومنطقة الخليج ملخصا ذلك في عبارة "مسافة السكة". واجه هذا التحالف عدة اختبارات متتالية سريعة أظهرت كم التباين فيه، فأولا، جاءت وفاة الملك عبدالله، لتؤثر سلبا بسبب ارتكان القاهرة ورهانها على أشخاص جناح الملك عبدالله حتى بعد وفاته، ومحاولة دعمهم ضد الانقلاب السديري الذي أنهى كل نفوذ وتواجد لأشخاص مثل خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي الأسبق، ومتعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني، وهو الدعم الذي كلف القاهرة الغطاء السياسي والإعلامي عندما أقدمت مصر على ضرب معسكرات داعش في ليبيا فبراير الماضي، ولم يقف الأمر عند ذلك فقط ولكن الجناح السديري وخاصة الملك سلمان، وابنه محمد، كان يميل حتى قبل وفاة عبدالله إلى فتح قنوات اتصال مع إخوان مصر وعدد من المعارضين لنظام 30 يونيو، سواء كحافز لتحسين علاقاتها بتركياوقطر لمواجهة إيران سويا، أو لإيجاد ورقة ضغط على الحليف المصري واختبار مدى جديته في مسألة أمن السعودية والخليج. كل ذلك استدعى عملية إعادة تقييم سريعة من الطرفين لتجديد تحالفهما ولكن على نحو أكثر براجماتية، وهو ما لم يحدث بشكل آني وقتها، وتأجل على إثر مغامرة "عاصفة الحزم" التي أظهرت فيها القاهرة تلكؤا غير متوقع في مسألة التدخل العسكري المباشر وليس مجرد التمثيل المشرف في تحالف الحزم الذي أُبلغت به القاهرة عقب تشكيله والبدء في العدوان، وما لبثت أن اضطرت إلى إبداء موقف علني أوقع القاهرة في تناقض، حيث رفض "الانقلاب" وتأييد "الشرعية" في اليمن من وجهة نظر السعودية وقطروتركيا يتمثل في إخوان اليمن، وهو ما فتح الباب لتضغط الرياض أكثر على القاهرة للقبول بمصالحة مع الإخوان، وهو الأمر الذي يبدو دافعا لزيادة التوتر بين النظامين لمستوى غير مسبوق مستقبلاً خاصة لو طرأ أي اختبار جديد يتطلب استيفاء الحليفين لتعهداتهما المبرمة منذ يونيو 2013.