ظلت العلاقات الهنديةالصينية متوترة نتيجة خلافات قديمة تعود للحرب الحدودية بين البلدين عام 1962، لكن المصالح جعلت التنين الصيني وجاره الهندي يرحّلان خلافاتهما في الفترة الأخيرة حتى إشعار آخر، متجسدًا ذلك في زيارة لرئيس الوزراء الهندي التي بدأها للصين خلال الأيام القليلة الماضية. استهل رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي أول زيارة رسمية له إلى الصين من عاصمتها التاريخية القديمة شي آن في بادرة نادرة للتقاليد الدبلوماسية الصينية التي عادة ما تستقبل ضيوفها في بكين، لكنها فسرت بأنها تحمل في طياتها رمزية شخصية وتاريخية وثقافية، فالمدينة هي عاصمة مقاطعة شانشي مسقط رأس الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي سبق وحل ضيفا على مودي في مسقط رأسه بمدينة غوجرات الهندية في سبتمبر الماضي، وأراد المضيف على ما يبدو أن يبادل ضيفه بسلوك مماثل. شهدت السنوات الأخيرة تقاربا واضحا بين الجارين العملاقين دلهي وبكين حيث جمعتهما مجموعة "البريكس" التي تضم أيضا روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، كما سارعت الهند أيضا إلى الانضمام كعضوه مؤسسة في بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية الذي اقترحته وترأسه الصين. في هذا السياق، أكد رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، عقب لقاء نظيره الهندي ناريندرا مودي في بكين، ضرورة تعزيز الثقة السياسية بين البلدين لبناء نظام دولي أكثر إنصافا واعتدالا، مشيرًا إلى أن "الصينوالهند بحاجة إلى تعزيز السلام والهدوء على حدودهما المشتركة و أن البلدين اتفقا على مواصلة الحوار بشان مسألة الحدود والسعي إلى حل عادل"، بدوره، ذكر مودي أن الهندوالصين اتفقتا على إنشاء قوة مهام على مستوى عال لتطوير إستراتيجية للعلاقات الاقتصادية الثنائية. تتطلع الهند لمزيد من التعاون مع ثاني اقتصاد في العالم بعد العجز الذي شهده ميزانها التجاري مع الصين، وبعد إخفاقها في تحقيق التفوق في المجالات الواعدة (الإعلامية والمستحضرات الصيدلانية)؛ وذلك بسبب الحواجز التنظيمية الصينية، وينظر رئيس الوزراء الهندي للصين على أنها قادرة على مساعدته في تحقيق برنامجه «صنع في الهند»، الذي يهدف إلى النهوض بالصناعة التحويلية الهندية. تهدف الزيارة بحسب مسئولي الهند إلى تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية بين الجارين الآسيويين العملاقين وتنحية الخلافات جانبا إلى حين أن تنضج ظروف حلها، يتنازع الجانبان على مناطق حدودية بينهما تصل مساحتها إلى أكثر من أربعين ألف كيلومتر مربع ظلت عائقا أمام تقاربهما منذ عدة عقود، وقد وعد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، خلال زيارته إلى الهند في سبتمبر 2014، بضخ استثمارات قيمتها 20 مليار دولار في المدن الجديدة والمناطق الصناعية الهندية. تعتبر بكين أكبر شريك تجاري لدلهي بميزان تجاري يصل إلى حوالي سبعين مليار دولار، لكن كلفته ترجح بنسبة كبيرة لصالح الصين، وهو خلل سيحاول مودي إصلاحه من خلال تشجيع الشركات الصينية على زيادة استثماراتها في الهند خلال المنتدى الاقتصادي الصينيالهندي الذي سيحضره في شنغهاي عاصمة المال والأعمال في ختام زيارته إلى الصين والتي تستغرق ثلاثة أيام. رغم هذا التقارب الواضح، إلا أن هناك حدود للصداقة بين الدولتين على خلفية النزاعات القديمة والعلاقات الخارجية لهم، حيث يتواصل النزاع الإقليمي بينهم على طول الحدود المشتركة التي تجمعهما، هذا النزاع تسبب في الكثير من الإزعاج على غرار ما حصل من توغل القوات الصينية في منطقة لاداخ المتنازَع عليها، كما إن الخارجية الهندية استبقت زيارة مودي إلى بكين باستدعاء السفير الصيني لديها للإعراب عن معارضتها الاتفاق الذي أبرمته بكين مع باكستان خلال زيارة الرئيس الصيني إلى إسلام آباد الشهر الماضي الذي سيتم بمقتضاه مد ممر اقتصادي تصل تكلفته إلى 46 مليار دولار يربط غرب الصين ببحر العرب عبر منطقة كشمير المتنازع عليها. في الوقت نفسه، أعلن مكتب رئيس الوزراء الهندي إلغاء اجتماع كان مقررا له الثاني من الشهر الجاري بين مودي وزعيم التبت الدالاي لاما العدو اللدود لبكين، وكما يرى مراقبون فهذا الاجتماع الملغى كان سيعصف بالتأكيد بزيارة مودي إلى بكين حال انعقاده.