احتفلت مصر والعالم منذ أيام باليوم العالمي لحرية الصحافة في شكل تقليدي، يذكرنا فقط بمرور 365 يومًا على الاحتفال السابق، ويدق ناقوس الخطر، بعدما خلّفت مهنة الصحافة العديد من الشهداء والمصابين والمعتقلين، وساء وضع العاملين بها. طالت الفوضى التي صاحبت ثورات الربيع العربي مهنة الصحافة، وأضفت عليها مزيدًا من القمع والقهر، وارتوت مسارح الأحداث بدماء ناقلي الحقيقة وتخضبت بها العدسات. أشعلت تونس فتيل الثورة، تلتها مصر، وكان نصيبها من شهداء الصحفيين 10، و 62 معتقلًا، منهم 54 محبوسًا احتياطيًّا، و8 أحكام نهائية، فضلًا عن عشرات المصابين، ثم ليبيا التي خسرت العشرات من الصحفيين، دافعين أرواحهم ثمنًا للحرية، وآخرين في اليمن، لتتصدر سوريا الدول الأخطر عالميًّا على الصحفيين بعد استشهاد 79 صحفيًّا و390 إعلاميًّا منذ بدء الثورة. قبل ثورة يناير، رفعت الصحافة في مصر شعار "عاش الملك مات الملك"، لكنها لم تخلُ من معارضة شكلية، رسم لها النظام خطوطًا عريضة لا تحيد عنها، وبعد اندلاع الثورة، رُفعت "الحرية" كأحد شعاراتها، وأضفى المد الثورى مزيدًا من الحرية خلال الفترة الانتقالية الأولى "عهد المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي"، وظل الفتيل مشتعلًا في فترة الإخوان، لكنه تحول من حرية رأى وتعبير إلى تجاوز في بعض الأحيان، حتى خرج الثوار على جماعة الإخوان، وعزلوا الرئيس الأسبق محمد مرسي في 30 يونيو، فانكمشت الحريات وبحت الأصوات كنتيجة مباشرة لزيادة حدة الإرهاب، ومحاولة النظام السيطرة على عقول المصريين من خلال أبواق الإعلام. ويبدو أن النظام الحالي استفاد كثيرًا من ادعاء "محاربة الإرهاب" لوأد الحريات وعلى رأسها الصحافة، فقُصفت الأقلام وكُممت الأفواه، وأصبح الصحفي في مرمى نيران قوات الشرطة، دون الالتفات لخصوصية مهنته، كما لاح في الأفق مصطلح الأمن القومي، الذي اُتخذ ذريعة لإخراس الألسنة وإعصاب الأعين، التى تبحث عن النور في زمن الظلمة. وحدث معي ما لا كنت أتوقعه بعدما تناولت في تقرير لي على لسان أحد المصادر وجود صفقة بين "النظام وجماعة الإخوان" برعاية أمريكية، تقتضي الإفراج عن صفقة طائرات الأباتشي المحجوزة لدى الولاياتالمتحدة، في مقابل خروج بعض قيادات الجماعة، إلَّا أن الأجهزة الأمنية أبت أن تمرره، فأرسلت مندوبها الدائم في المطابع الصحفية لفرم العدد قبل طباعته. وسبقت هذه الواقعة أحداث مشابهة بمصادرة صحف أخرى مثل «صوت الأمة، والدستور، والمصري اليوم، والشعب»، ومؤخرًا جريدة الوطن بمصادرة عددها الذي تناول الجهات التي لا تدفع ضرائب، أبرزها مؤسسات «الرئاسة، والمخابرات، والداخلية، والدفاع»، حتى صُنفت مصر ضمن أكثر 10 دول بالعالم قمعًا للصحفيين للعام 2015، واحتلت المركز 159 من 180 دولة والأسوأ في حرية الصحافة منذ 11 عامًا، الأمر الذي يؤشر بأن حرية الصحافة المصرية لم تُولد بعد.