على الرغم من مرور أكثر من 11 عاما على وفاة الزعيم الفلسطينى "ياسر عرفات"، إلا أن أسباب الوفاة ما زالت لغزًا محيرًا، تتخبط نتائج التقارير السويسرية والفرنسية والروسية فالبعض يذهب إلى وفاته نتيجة تسمم من مادة البولونيوم المشع والبعض الآخر يؤكد أن الوفاة جاءت طبيعية، وبين هذا وذاك تحرص أرملة الرئيس الراحل "سهى عرفات" على متابعة التحقيقات بالرغم من طولها وتضارب نتائجها ومحاولة بعض الدول إخفاء الحقيقة. نتائج متضاربة واتهامات متبادلة أعلنت نيابة "نانتير" الفرنسية، أن القضاة الفرنسيين الذين يجرون تحقيقًا حول وفاة "ياسر عرفات" عام 2004، لمعرفة ما إذا كان هناك اغتيال، أنهوا عملهم القضائي في نهاية أبريل الماضي، وقالت النيابة إن قضاة التحقيق ختموا عملهم وتمت في 30 أبريل إحالة الملف على النيابة التي أمامها ثلاثة أشهر لاتخاذ إجراءاتها. وفي بداية العام، استبعد الخبراء، الذين كلفهم القضاء الفرنسي مجددًا النظر في القضية، فرضية تعرض الزعيم الفلسطيني للتسمم بمادة البولونيوم 210، وفي أغسطس عام 2012 كلف ثلاثة قضاة من "نانتير" إجراء تحقيق قضائي لكشف ما إذا كان حدث عملية اغتيال أم أنها وفاة طبيعية، وذلك بناء على شكوى ضد مجهول تقدمت بها "سهى عرفات" أرملة الزعيم الفلسطيني إثر العثور على مادة البولونيوم في أغراض شخصية خاصة بالرئيس الراحل. وفي نوفمبر 2012 تم فتح قبر "عرفات" في رام الله وأخذت من جثمانه نحو ستين عينة وأعطيت لثلاثة فرق من الخبراء السويسريين والفرنسيين والروس للتحقق منها، وهنا تضاربت الأقوال حيث استبعد الفريق الفرنسي إضافة إلى الفريق الروسي عام 2013 احتمال تسمم الزعيم الفلسطيني، وقال الخبراء الفرنسيون إن وجود الرادون وهو غاز طبيعي مشع في البيئة الخارجية قد يفسر ارتفاع المواد المشعة، إلا أن الخبراء السويسريين كان لهم رأي مخالف، حيث رأوا من جهتهم أن فرضية التسميم "تبقى أكثر انسجاما" مع نتائجهم. وكانت المدعية العامة الفرنسية "كاثرين دينيس" أعلنت يوم 16 مارس الماضي أن الخبراء المكلفين بالتحقيق في وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل يستبعدون مرة أخرى فرضية موته مسمومًا، وأكدت المدعية أن الخبراء الفرنسيين دحضوا فرضية تناول الرئيس "ياسر عرفات" كمية كبيرة من مادة البولونيوم 210 في الأيام التي سبقت ظهور الأعراض عليه، استنادا إلى نتائج التحاليل الجديدة. من حانبه؛ نقل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح "نبيل شعث" في حينه عن الأطباء الفرنسيين الذين أشرفوا على علاج الرئيس الراحل ياسر عرفات تأكيدهم مقتله بسم مجهول، وقال "شعث"، "لا شك لدي بأن إسرائيل مسئولة عن قتله، في المناقشة مع الأطباء الفرنسيين في مستشفى بيرسي أكدوا أنه لم يمت بالبكتيريا ولا فيروس ولا سرطان، إنما بمادة خارجية غريبة لم يستطيعوا التعرف عليها، قالوا إنه قتل بسمّ لا يعرفون عنه شيئا فهو لا يتطابق مع عينات السموم التي عندهم"، وأضاف "كيف يمكن لإسرائيل أن تتهرب من قتله عندما كان سجينا لديهم لمدة ثلاث سنوات فلا يدخل له طعام ولا شراب ولا دواء إلا من خلالهم، وبالتالي ليس من الصعب تصوّر مسؤوليتهم عن وفاته، فهم لم يتيحوا له أية فرصة حقيقية بإنهاء حصارهم له". وفي السياق ذاته؛ قال رئيس لجنة التحقيق الوطنية المكلفة بالتحقيق في ظروف موت عرفات اللواء "توفيق الطيراوي"، إن "اللجنة مصممة على الكشف عن قتلة عرفات"، مؤكداً أن "لديها قناعات كاملة بأنه توفي اغتيالا"، كما دعا "ناصر القدوة" ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني الراحل وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" إلى نقل ملف التحقيق في وفاة عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلنا "لسنا بحاجة إلى مزيد من الدلائل، نحن بحاجة إلى موقف سياسي واضح يدين الجريمة ويطالب بمحاكمة الجناة". أرملة الرئيس تصر على حل اللغز ومع تضارب الأقوال والنتائج رفضت أرملة الرئيس الراحل الاستسلام لحالة الغموض التي تفرضها الدول الثلاثة، حيث قال محاموها إنهم سيطلبون إجراء "تحقيقات إضافية"، وذلك بعد إعلان قضاة فرنسيين إنهاء التحقيق في قضية ملابسات وفاة الزعيم الفلسطيني التاريخي في 2004 بفرنسا، وأكد "فرنسيس سبينر"، و"رينو سمرديان"، محاميا "سهى عرفات"، "نحن لا نؤيد هذا القرار، وسنطلب بالطبع تحقيقات إضافية"، وأوضحا "سواء أعجب ذلك أو لم يعجب القضاة والنائب العام، فإنه لا أحد اليوم بإمكانه أن يقول ما سبب موت عرفات وتوضيح ملابسات وفاته، وهذا وحده كاف ليستمر التحقيق"، مبديين "استغرابهما من التسرع في الرغبة في ختم التحقيق في ملف بهذه الأهمية". وكانت نيابة "نانتير" قالت في نهاية ديسمبر الماضي إنها رفضت طلبًا تقدمت به "سهى عرفات" للقيام بفحوصات جديدة، إلا أن القضاة قرروا "طلب فحوصات إضافية من الخبراء أنفسهم". تستر فرنسي على الجريمة أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس لجنة التحقيق في ملابسات استشهاد الرئيس الفلسطيني، "توفيق الطيراوي" تسلم السلطة الفلسطينية رسالة من فرنسا قبل نحو 20 يوما، تطالبها فيها بالتعهد بعدم الحكم أو تنفيذ حكم الإعدام في حال تبين من ساعد في اغتيال الرئيس "عرفات"، محدده مهلة 15 يوما للرد على ذلك، وأضاف "الطيراوي" أنه تم التشاور بين مختلف الجهات المختصة في فلسطين ومع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، وتم الرد على الطلب بأن "القضاء في فلسطين مستقل ولا نتدخل به، وطلبنا منهم أن يضعونا في صورة ما يجري في نتائج التحقيق قبل أن تطلبوا منا ذلك سلفا"، مستطردًا أن "الفرنسيين سلبيون من وفاة عرفات، ومنذ أن أخذت العينات من رفاته لم يتصلوا بنا وما نسمعه فقط يكون عبر وسائل الإعلام". بالربط بين الطلب الفرنسي وبين ما قاله موقع "واللاه" الإسرائيلي، أن طاقم الخبراء الفرنسيين حدد بشكلٍ نهائي أن وفاته جاءت لأسباب طبيعية، تتأكد الشكوك حول أن فرنسا تعرف سر ما في هذه الجريمة ولا تريد الإفصاح عنه، فإذا كانت أسباب الوفاة طبيعية كما يقول الفرنسيون، فلماذا بعثوا بهذا الطلب إذن؟، كما أن لجنة التحقيق الفلسطينية أرسلت أكثر من مرة رسائل إلى القضاة الفرنسيين المختصين لمعرفة نتائج التطورات الجارية بملف التحقيق، إلا أنهم لم يردوا على أي رسالة فلسطينية، فعدم الرد وعدم التعامل مع الجانب الفلسطيني وإطلاعه على طبيعة التحقيقات يضع علامات استفهام كبيرة حول هدف فرنسا من إخفاء نتائج التحقيق بهذا الملف. جريمة اغتيال "عرفات" تشبه إلى حد كبير جريمة استشهاد رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية "عاطف بسيسو" أمام فندق في باريس عام 1993، حيث كان الفرنسيون يعرفون من قتله بالأسم، ولكنهم لم يفصحوا عنه مكتفيين بالقول من أسفل الطاولة إن جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" هو من قتله، ولكنهم لا يعلنونها حفاظًا على علاقاتهم الدبلوماسية مع إسرائيل.