أفريقيا القارة السمراء وجوهرة العالم، التى تحتوى على النسبة الأكبر من ثرواته الطبيعية والبشرية، القارة التى تمتلك مناجم الماس ومناجم الذهب وحقول البترول والغابات الاستوائية وحياة برية لا مثيل لها فى أى مكان أخر فى العالم، أفريقيا القارة التى تعانى من الفقر والجوع وقلة المياه، والتى يموت سكانها جوعاً وعطشاً، وتمد لها المنظمات الدولية والحكومات يد المعونات والمساعدات والمنح المشروطة منها، والغير مشروطة أمر يدعو للتساؤل ويثير الخيال، وخاصة لو عرفنا أن مقدار التدفق المالى من أفريقيا لدول العالم يعادل أضعاف التدفق العكسى من أوربا وأمريكا، ولكن القارة التى تفيض بخيرها على العالم، تبخل بهذا الخير على أبنائها، وتتركهم فى مهب الجوع ورياح الحروب الأهلية والتعصب والاضطرابات، لم أجد مثال لشرح هذه المعاناة خير من معاناة الكونغو؛ تلك الدولة الضخمة التى تقع فى أفريقيا الوسطى، وقد تم تغيير اسمها من قبل لتصبح: زائير، ثم عادت لاسمها القديم: الكونغو، التى يقع معظم سكانها تحت خط الفقر؛ بمتوسط دخل يعتبر من أقل متوسطات الدخول فى القارة نفسها تلك البلاد التى تحتوى على مساحات ضخمة من الغابات، وتشكيلة من المعادن: كالذهب والنحاس والقصدير، بخلاف الماس، وكل هذا لا يعتبر هو المصدر الرئيسى لثروتها؛ فهى تحتوى على حوالى 80% من معدن الكولتان المستخدم فى صناعة المكثفات بأجهزة المحمول والكمبيوتر، وتكفى هذه المعلومة لنتخيل كيف يمكن لمثل هذه الثروة التى يلهث وراءها أباطرة صناعة التكنولوجيا، فى أن تحدد مصير شعباً بأكمله، حتى أن الكونجرس الأمريكى تدخل لسن قوانين لتقنين استخراجها فى الكونغو، وضغطت منظمات المجتمع المدنى والنشطاء فى أمريكا وأوربا على هذه الشركات، لتعمل على تحسين أحوال العاملين فى المناجم، وتقنين أوضاعهم وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، وعمالة الأطفال، ويمكننا أن نتخيل حجم الضغط والتدخل فى بلد كهذه، تعداد قواتها المسلحة لا يزيد عن 130 ألفاً أغلبهم من المشاة والقوات البرية، وتمثيل رمزى للقوات الجوية والبحرية؛ لا تكفى بأى حال من الأحوال للسيطرة على بلاد مضطربة يعيث فيها أباطرة الحرب فساداً، ويستهلكون مواردها فى شراء الأسلحة من شركات السلاح العالمية، وعلى الجانب الأخر حكومة مركزية ضعيفة تقع غرب البلاد فى كنشاشا، بعيداً عن مركز التعدين ومناطق الصراع، وقوات دولية من الUN تجوب البلاد، تعتبر أزمة الكونغو لها علاقة مباشرة بجارتها روندا، حيث هاجر للكونغو على مرحلتين مهمتين من تاريخها: قبائل من روندا، كان لهم أثر كبير فى زعزعة الهوية، وخاصة شرق البلاد، حيث استقروا ولم يشعروا بالمواطنة والهوية، كانت المرحلة الأولى إبان الاحتلال البلجيكى، الذى استقدم منهم عدد ضخم للعمل فى المزارع شمال بحيرة كيفو، ثم كانت المرحلة الثانية عندما دارت حرب تطهير عرقى واسعة فى روندا عام 1994م؛ كان من آثاره: هروب أعداد كبيرة من قبائل التوتسى الروندية للكونغو، لينضموا إلى أسلافهم المهاجرين سلفاً، وكان من بينهم العديد من رجال الجيش والشرطة والمرتزقة، الذين بدءوا فى الاستيلاء على الأراضى والمناجم ومنازعة القبائل المحلية على حيازتها، وتورط فى هذا الصراع ست دول من أفريقية مجاورة: " أوغندا- زامبيا– بورندى –تنزانيا –إنغولا "، ومن خلفهم شركات عالمية وأجهزة استخبارات دولية، ليصبح المشهد شديد الخطورة والتعقيد، لا فرق فيه بين جنرال فى الحكم وجنرال أخر على رأس مليشية مسلحة؛ ليحدث تمرد تلو الأخر، وانقلاب تلو الأخر، وفوضى تلو الأخرى؛ ويسفر فى النهاية عن مقتل أكثر من خمسة ملايين شخصاً، اغلبهم من النساء والأطفال، لينتهى الصراع فى عام 2003م، باتفاق سلام شامل بين الحكومة والجماعات المتمردة، ولكن ما زال حتى اليوم سلاماً هشاً، وما زال أطفال الكونغو يعانون من الجوع والمرض ونقص المياه والغذاء الملوث ويعيشون على الاستجداءت والمساعدات الخاريجة، غير شافعة لهم ثروات القارة اللامحدودة