«الكاتب الصليبي المصري»، أو أحد نصارى مصر، الداعين إلى إحياء "الفرعونية" على حساب الإسلام، والداعي إلى طائفية وعداوة شديدة للإسلام وأهله.. هكذا يعرف المتطرفين أصحاب الدعوة الماضوية السلفية الكاتب والمفكر المصري لويس عوض، الذي عكف طيلة حياته على الاشتغال بالحفريات الثقافية، لاستخلاص جوهر الثقافات، ولاسيما اكتشاف وإزالة أتربة الاستعمار عن الثقافة المصرية. بل أن لويس عوض من أشهر المنادين بالقومية المصرية، التي سبقه إليها أعلام الفكر المصري، مثل أحمد لطفي السيد، ولكن اختلاف المعايير الثقافية لعصر لكل منهما، كان سببًا رئيسيًا في هذا الهجوم على «عوض»، إذ أن عصر الأخير اتسم بالأحادية وسيطرة الاتجاهات الرجعية العنيفة، بينما اتسم عصر «لطفي السيد» بثقافة التجاور والحوار. "أباطيل وأسمار، الغزو الفكري، دراسة في فكر منحل، دحض مفتريات ضد إعجاز القرآن ولغته، تهافت العلمانية في الصحافة العربية"، إضافة إلى "هلك لويس عوض، ولويس: تُرى على من تطلق النار"، كانت هذه بعض من المقالات والكتب التي صدرت لتبيح دم المفكر المصري، وتصفه بمدمر الثقافة ومعادي الإسلام، ذلك أن كتابه الأشهر «مقدمة في فقه اللغة» كان ليثبت أن اللغة العربية على امتداد تاريخها كانت متفاعلة مع لغات الحضارات الأخرى، وأن إضفاء القدسية على اللغة، يستدعي بالضرورة الجمود، لأن اللغة كائن حي ينمو ويتفاعل، ولكن ذوي عقلية تقديم النقل على العقل رأوا أن ذلك انتقاص من قيمة القرآن نفسه، رغم أن الكتاب السالف ذكره يقول "أن وجود الألفاظ المعربة في لغة القرآن، ليس غضًا من إعجازه، وإنما مزية يمتاز بها على سائر الكتب المقدسة". هذا ولا يمكن اختصار منجز المفكر والشاعر والناقد الثقافي لويس عوض، في كتابه ذلك، فله إسهامات عديدة في فهم وتحليل آداب الأمم والشعوب الأخرى، إذ أن وظيفة "الناقد الثقافي"، وظيفة حاسمة وضرورية الوجود لأي مجتمع وشعب يتطلع إلى المستقبل، ونحو النقد الثقافي، يستلزم الطريق خطوات أولى تعرف في مجتمع الدارسين والباحثين ب"الحفريات الثقافي"، وهي الوظيفة التي صرنا نفتقدها في مجتمعنا اليوم. ولد لويس عوض في محافظة المنيا عام 1915. ونال ليسانس الآداب، قسم الإنجليزية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف عام 1937. وحصل على ماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة كامبريدج سنة 1943 ودكتوراة في الأدب من جامعة بريستن عام 1953، ثم عمل مدرسًا مساعدًا للأدب الإنجليزي، ثم مدرسًا ثم أستاذًا مساعدًا في قسم اللغة الإنجليزية، كلية الآداب، جامعة القاهرة 1940 – 1954، ثم رئيسًا للقسم عام 1954. يقيم المجلس الأعلى للثقافة، احتفالية بمئوية لويس عوض الأديب والناقد الثقافي الملتزم والمهموم بقضايا المجتمع، وقد نشرت الصحف العربية خبرًا عن تلك الاحتفالية جاء تحت عنوان «مصر تحتفل بلويس عوض»، ومن المقرر أن تدور المناقشات حول 4 محاور رئيسية هم "الفكر النقدي، وتأصيل الحداثة، التاريخ الحضاري والهوية، وإبداعه، معاركه، وقضايا المستقبل"، ويشارك بها 23 من الباحثين المصرييين والعرب، كما يصدر المجلس كتابين هما "لويس عوض مفكراً"، "لويس عوض.. قراءات نقدية"، كما يعيد المركز القومي للترجمة طباعة "النقد اليوناني". وجود منجز نقدي وإبداعي بحجم الإرث الذي تركه لويس عوض للمكتبة المصرية العربية، لا تتناسب معه الثقافة الكرنفالية، وثقافة المهرجانات، بل أن الاختلاف والاتفاق والجدل حول ذلك الإرث الثقافي، من المؤكد أنه سوف يكون حجرًا يلقى في المياه الراكدة، ليحركها، ومن المؤكد أن مصر في تلك المرحلة من تاريخها، تحتاج إلى ثورة وصحوة فكرية حقيقية، لا تكون إلى بدخول عالم المسكوت عنه، ومراجعة الأفكار والقناعات الاجتماعية، وهذا ما تلمسه لويس عوض في جل كتاباته، أن يكشف عن التطلعات الاجتماعية، والأمراض التي تعيق المجتمع عن تحقيق تلك التطلعات، إضافة إلى البحث عن حلول أصيلة غير مستوردة، وما تستلزمه تلك الحلول من وقوف في وجه الغزو الثقافي، وهو ما اتهم به الراحل في أكثر من مقال وكتاب.