تداعيات انباء الوعكة الصحية التي تعرض لها مؤخراً ملك السعودية، عبدالله بن عبد العزيز، لاتزال تشغل العديد من المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن السعودي، وخلافاً لما يطرحه معظمهم من تحليلات وكتابات حول خلافة العاهل السعودي في ظل التردي الصحي المتتالي الذي يعانيه منذ سنوات، رأى الباحث والمحلل السياسي المختص في شئون السعودية، سايمون هندرسون، أن التعويل على انتقال سلس للسلطة في السعودية بعد وفاة أو تنحي الملك الحالي لا يؤجل صراع على الحكم سيدور بين أبناء الجيل الثاني من آل سعود. وتحديداً مسألة ولاية عهد الملك القادم، وأن اجراءات الملك عبدالله لضمان الانتقال السلس المرجو ساهمت في تعقيد المسألة بشكل أكبر، وذلك في وقت حرج بالنسبة للسعودية والمنطقة ككل. وأوضح هاندرسون في مقاله الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بعنوان "الروليت السعودي"، أن ولاية عهد الأمير سلمان مثلت في حد ذاتها عبء على انتقال هادئ للسلطة، فبخلاف مرضه، هناك خطر طموح أن يختار هو بعد توليه العرش وليّْ عهد يعجل بالصدام بين أمراء آل سعود من الجيل الثاني، وأن الضمانه التي خُيل للملك عبدالله أنها فاعلة والمتمثلة في استحداث منصب وليِّ وليّْ العهد وتعين الأمير مقرن بن عبد العزيز فيه، هي ضمانة واهية وتعزز من انقسام الأسرة الحاكمه. وصولاً إلى تساؤل حول إذا ما كان الخطأ في اختيار الحاكم القادم سيمثل تهديد لوجود آل سعود ككل. وفيما يلي نصْ المقال: الأخبار الأخيرة الواردة من السعودية، كما جاء على لسان ولي العهد، أن الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يبلغ من العمر 90 عاماً "يتعافى من مرضه". قد يكون ذلك صحيحاً، إذ إن الملك دخل مستشفى في الرياض في 31 ديسمبر، ويستغرق العلاج بالمضادات الحيوية أسبوعاً -وهي الطريقة القياسية لعلاج الالتهاب الرئوي، الذي أُعلن أنه أصيب به- ليكون مؤثراً. ولكن هذا التوقيت صعب فيه الاسترخاء. فالمملكة عضو رئيسي في التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يختبر مقاتلوها قدرة التحالف الدفاعية، مثل هجوم الخامس من يناير على طول الحدود السعودية-العراقية، وأدى لمقتل ثلاثة من حرس الحدود السعوديين. كما ينبغي على السعودية أن تكون لاعباً رئيسياً في سوق النفط المنهارة، ولكنها عاجزة حالياً وغير قادرة على وقف تراجع سعر النفط الآخذ في الهبوط، ولكنها تعزي نفسها بأن منتجي الصخر النفطي من الولاياتالمتحدة، فضلاً عن روسيا وإيران، ربما يجدون العملية حتى أكثر إيلاماً. حتى لو لم يعاني الملك عبد الله من أي انتكاسات صحية، فإنه من المحتمل أن يبقى غائباً الصورة لبضعة أسابيع، بسبب التعامل مع تداعيات الالتهاب الرئوي، وهذا تحدي كبير كفاية. حتى الوقت الراهن كان هو صانع القرار الأعلى، ولعب دوراً شخصياً في حل النزاع الدبلوماسي مع قطر المجاورة، وعقد لقاء قمة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، واستبدال ستة وزراء في تعديل وزاري خلال الشهر الماضي. فهل سيسمح الملك عبد الله لولي العهد الأمير سلمان (78 عاماً) بتولي هذا الدور في غيابه؟ من المرجح لا. حيث هناك تساؤلات حول ما إذا كان الأمير سلمان قادراً على تولي هذا الدور، وذلك بغض النظر عن جدول أعماله الحافل بالاجتماعات والمناسبات العامة. ووفقاً لما كتبه المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بروس ريدل، قبل حوالي عامين فأنه "تم الإبلاغ عن أن ولي العهد في حالة صحية متدهورة… وهو في أغلب الأحيان غير قادر على القيام بمهامه". وفي الإطار نفسه أشار تحليل لشبكة بي. بي. سي إلى تقارير غير مؤكدة تفيد بأن الأمير سلمان "يعاني من مشاكل صحية". السؤال المحوري هو إلى أي مدى سيكون للملك عبدالله دوراً في سياسات القصر حول مسألة خليفته، المتسارعة وتيرتها. الرأي السائد للمعلقين الذين كتبوا عن المملكة يقول أنه ينبغي أن تكون الخلافة على العرش السعودي، هذه المرة، "على نحو سلس". فالتحفظات في هذا السياق هي حول المستقبل إذ تتمحور المخاوف حول المرة ما بعد الآتية لاختيار الملك في المملكة الصحراوية، وليس حول كيفية اختيار خليفة الملك عبد الله. أنه الوقت المناسب لهذه الحكمة التقليدية أن تُراجع بمزيد من التدقيق، ففي الواقع فإن عملية انتقال الحُكم المقبلة في السعودية من غير المرجح أن تكون سلسة، على الرغم من أن هذه هي الصورة التي يريد آل سعود ظهورها. يمكن القول أن قيادة المملكة واقعياً على مفترق طرق، إذ يتنافس جناحين داخل العائلة المالكة على الهيمنة. ويمكن للنتائج أن تؤدي إلى ظهور مجموعة كاملة من الوجوه الجديدة في مواقع السلطة في الرياض، الأمر الذي قد يطرح مشكلة بالنسبة إلى واشنطن، حيث يستبدل ذوي الخبرة بذوي الطموح المجرد، وفي ظل هذه الظروف فإن الإرث المحتمل للملك عبد الله (المبني على) مقاربة غريبة تميل للتقدم -بشكلٍ يسمح ببعض التهميش لرجال الدين الذين يميلون إلى إعاقة التقدم أكثر من غيرهم ولكن مع إبقاء الوضع قيد السيطرة بصورة دائمة- أن يمسي ذكرى من الماضي. كي نفهم لماذا ستكون المعركة القادمة على الخلافة شائكة جداً، فمن المهم أن نفهم نظام الخلافة القائم في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها. فجميع الشخصيات الرئيسية؛ الملك عبد الله نفسه، فضلاً عن ولي العهد الأمير سلمان وولي ولي العهد الأمير مقرن هم أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز وعندما توفي هذا الأخير في عام 1953، خلّف نظاماً ينتقل فيه العرش من ابنه الأكبر إلى من هو أصغر منه، وليس من الأب إلى الابن. وقد توفي منذ ذلك الحين معظم أبناء الملك عبد العزيز الذين يبلغ عددهم الأصلي 35 والذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة في عام 1953. أما بالنسبة إلى الأبناء المتبقين، باستثناء الملك عبد الله نفسه والأمير سلمان والأمير مقرن، فقد تم تغاضيهم جميعاً فيما يتعلق بتولي العرش. والأمير مقرن البالغ من العمر 71 عاماً والذي هو ابن جارية يمنية، هو أصغر أبناء الملك عبد العزيز على قيد الحياة. ويتركز الصراع في جوهره بين السديريين – أكبر مجموعة من الأخوة الأشقاء من أبناء بن سعود- والباقي (من أبناء الملك عبد العزيز). والسديريون كانوا في الأصل سبعة، جميعهم ولدوا من نفس الأم التي تنحدر من عشائر سدير، وبالتالي لقبوا ب "السديريين السبعة". وقد ضمت هذه المجموعة بعض الأبناء الأكثر طموحاً للملك عبد العزيز، وهيمنوا على بيت آل سعود منذ ستينيات القرن الماضي. يُذكر أن الملك فهد (توفي عام 2005)، وولي العهد الأمير سلطان (توفي عام 2011)، وولي العهد الأمير نايف (توفي عام 2012) كانوا من السديريين، وهم الأخوة الكبار لولي العهد الأمير سلمان. أما الإخوة المتبقين فهم نائب وزير الدفاع السابق الأمير عبد الرحمن، والأمير تركي الذي يُعتبر بمثابة البطة السوداء في العائلة المالكة، ونائب وزير الداخلية السابق الأمير أحمد. يُشار إلى أن بروز الملك عبد الله، الأصغر سناً من الملك فهد والذي أتى خلفاً له لكنه أكبر سناً من الأمير سلطان، كان ناجحاً على الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها السديريون لإبعاده. ولكن منذ أن أصبح ملكاً في عام 2005، كان على الملك عبد الله أن يقبل بثلاثة سديريين أولياء للعهد، وهم على التوالي: الأمير سلطان ثم الأمير نايف، والآن الأمير سلمان. ومع عدم وجود إخوة أشقاء له على قيد الحياة، أقام تحالفات مع أمراء آخرين من غير السديريين لتعزيز سلطته. ومن الأمور الأكثر أهمية، أنه كان أيضاً قائد "الحرس الوطني السعودي" – أكبر قوة مقاتلة في المملكة. ومن منظور غربي، فإن الطريق للأمام يتمثل في تنحي عبدالله، وإبعاد الأمير سلمان (هناك آلية لإعلان عدم أهلية الملك أو ولي العهد طبياً)، لكي يصبح الأمير مقرن ملكاً. أما من وجهة النظر السعودية، فإن هذا لن يجدي نفعاً، إذ يبرز داخل العائلة المالكة احترام عظيم للأصول والتاريخ ونقل مُنظم للسلطة. وعلى الرغم من أن الأمير سلمان قد لا يكون أهلاً لهذا المنصب، إلا أنه من الصعب جداً، على الصعيد السياسي، لأفراد العائلة المالكة السعودية إبعاده جانباً: إذ يكره الأمراء أي مخرج يفضي إلى الشقاق، والذي سيكون مكشوفاً أمام العالم. فقد كان بيت آل سعود محرَجاً جداً في الستينيات عندما توجب إبعاد الملك سعود جانباً لعدم كفاءته. لذلك، نظراً إلى عجز الملك عبد الله، وطموح الأمير سلمان المستمر (أو ما يمكن أن يكون بدلاً من ذلك رغبة أبنائه في السلطة)، وتردد الأمير مقرن، على ما يبدو، في تعزيز صورته لإبراز قيادته الممكنة للمملكة، فمن السهل أن نفهم أن الكثير من السعوديين يبدو أنهم يرون أن اعتلاء الأمير سلمان سدة الحكم أمر لا مفر منه. ويشير هذا المنطق إلى أن الأمير سلمان سيعين الأمير مقرن ولياً للعهد، وذلك مرة أخرى لكي لا يتسبب بإثارة ضجة بصورة مفرطة. ولكن هذا ليس بالضرورة ما سيؤول إليه اعتلاء الأمير سلمان العرش. فحينها سيتمتع بحق تعيين ولي عهد خاص به. صحيح أن الملك عبد الله أنشأ منصب "ولي ولي العهد" وأوكله إلى الأمير مقرن، ولكن ذلك لا يضمن ترقية الأمير مقرن، إذ أن محاولة الملك عبد الله تأمين يمين الولاء – بشكل مسبق إلى الأمير مقرن- لم يحصل على إجماع كبار الأمراء الآخرين. وقد يعكس الأمير سلمان خطط الملك عبد الله بمجرد أن يصبح ملكاً، وربما يعين أخيه الشقيق الأمير أحمد، الذي تم تجاوزه في السابق، ولياً للعهد. مع ذلك، فإن هذا التركيز للسلطة قد يكون أكثر مما يمكن أن يتحمله الأمراء غير السديريين. وبالتالي، لا يزال الباب مفتوحاً للتساؤل حول مستقبل العرش بعد الأمير مقرن: فبعد وفاة كافة أبناء بن سعود أو يصبحوا غير قادرين على تولي الحكم، فأي حفيد من أحفاد بن سعود سيرث لقب خادم الحرمين الشريفين؟ ونظراً إلى الدور المركزي للمملكة العربية السعودية في مواجهة التحديات الراهنة في الشرق الأوسط، فهل يكفي أن تجري الخلافة على نحو سلس أم إنه ينبغي على واشنطن وعواصم غربية أخرى أن تشجع بيت آل سعود على السماح للأمير الذي يتمتع بالخبرة الأهم وصفات القيادة الأبرز الوصول إلى العرش؟ وفي هذا السياق، تبرز جدلية واحدة على الأقل ينبغي أن تتفوق على التحفظ المؤسساتي في قصور الرياض: إنه نظراً إلى التهديدات الإقليمية التي يواجهها الشرق الأوسط فإن اتخاذ قرار مشوش في الوقت الحالي بشأن الزعيم القادم يمكن أن يهدد مستقبل البيت الملكي نفسه.