«حمودة»: تتلاشى الحدود والطلاسم في الأدب الصوفي فينعم بالحرية المطلقة «ضيف»: التصوف منطقة التصالح مع الخيال وتحقيق التوزان بين الروح والجسد «الروح» ذلك اللغز الذي مهما حاولنا البحث عنه لا نسطيع فك طلاسمه، لذا دعونا نأخذ الأمور على علتها، فهذه الطاقة الخفية داخلنا تنجذب دائمًا للحب وكأنها تتصالح مع فطرتها التي خلقت بها، وللمصريين في هذا الشأن حالة خاصة إذ ترأهم ينجذبون لكل شئ ينبض في الحياة جمالًا وحبًا. في الفترة الأخيرة، تحديدًا بعد ثورة 25 يناير ظهرت بعض الكتب الروائية التي غلبت عليها النزعة الصوفية لشباب الكُتاب مثل «ترنيمة سلام» لأحمد عبد المجيد، والتي لاقت قبولًا شديدًا لدى القراء –ليس هذا فحسب- بل استطاعت الوصول للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2013 فرع المؤلف الشاب، إذ ناقشت الصراع الروحي الذي يحياه الإنسان في العالم اليوم، فقد ذهب المؤلف والقارئ في رحلة يبحثون فيها عن السلام النفسي. أيضًا لاقت بعض الروايات المترجمة مثل «قواعد العشق الأربعون»للكاتبة التركية (إليف شافاق) التي تناولت لمحات من حياة أحد رواد الصوفية في العالم (جلال الدين الرومي، الحلاج)، إقبال الكثير من القراء وطبعت عدة طبعات شعبية. قبل الدخول إلى عالم الكتابة ذو النزعة الصوفية، التي انتشرت مؤخرًا بين الشباب في مصر، يمكننا تقسيم الأدب الصوفي إلى ثلاثة أطوار: الأول بدأ مع ظهور الإسلام وانتهي في أواسط القرن الثاني للهجرة؛ وكل ما بين أيدينا منه طائفة كبيرة من الحكم والمواعظ الدينية والأخلاق تحث على كثير من الفضائل، وتدعو إلى التسليم بأحكام الله ومقاديره، وإلى الزهد والتقشف وكثرة العبادة والورع، وعلى العموم تصور لنا عقيدة هذا العصر من البساطة والحيرة. أما الطور الثاني بدأ من أواسط القرن الثاني الهجري إلى القرن الرابع، وهنا يبدو ظهور آثار التلقيح بين الجنس العربي والأجناس الأخرى، وفيه يظهر اتساع أفق التفكير اللاهوتي، وتبدأ العقائد تستقر في النفوس على أثر نمو علم الكلام، وفيه يظهر عنصر جديد من الفلسفة. والأدب الصوفي في طوريه الأول والثاني أغلبه من النثر، وإن ظهر الشعر قليلًا في طوره الثاني، وفي الطور الثاني هذا بدأ تكوّن الاصطلاحات الصوفية كالشطحات والإشراقات وغيرها. أما الطور الثالث فيستمر حتى نهاية القرن السابع وأواسط القرن الثامن، وهو العصر الذهبي في الأدب الصوفي، غني في شعره، غني في فلسفته، شعره من أغنى ضروب الشعر وأرقاها، وهو سلس واضح وإن غمض أحيانا، هذا، وقد تطور الأدب الصوفي نثرا وشعرا، وبلغ الشعر الصوفي ذروته مع ابن العربي وابن الفارض في الشعر العربي، وجلال الدين الرومي في الشعر الفارسي. ولم ينته القرن الثالث الهجري حتى أصبح الشعر الصوفي شعرًا متميزًا يحمل بين طياته منهجا كاملا للتصوف، وأما الذين جاؤوا بعدهم فإنهم تميزوا بالإفاضة والتفسير. كانت هذه بداية الأدب الصوفي الذي قل انتشاره وانتاجه شئيًا فشيئا مع مرور الزمن وتغير الحياة، وها اليوم يعود على استحياء مع تجارب إبداعية لشباب الكُتاب، لكن يا تُرى ما هو السر وراء احتفاء القراء به والحرص على تداوله خاصة بين الشباب؟، يجيبنا في ذلك النقاد: الدكتور حسين حمودة، والدكتور سيد ضيف. يرى «حمودة» أن أدب التصوف يمثل تجربة مهمة من تجارب الإبداع، ويرتبط بنوع التحول عبر فترات التاريخ، حتى نصوص التصوف،كما كتبها المتصوفة في أزمنة قديمة لم تكن جزء من الأدب، ولكن النظرة إلى هذه النصوص في هذا العصر الحديث أكتشفت فيها جماليات وصيغات إبداعية رفيعة المستوى، استلهموها بطرق متنوعة، فمن القيم الكبرى في هذا النوع من الأدب، أنه يمنح المبدع مساحة رحبة من الحركة عبر الأزمنة المتعددة والأماكن المختلفة والشخصيات المتباينة، وفيه تتلاشى الحدود والطلاسم وهذا كله يقدم للإبداع قدرًا هائلًا من الحرية. وأكد «حمودة» أن هناك تنظيرات حديثة كثيرة حول الأدب الجديد الذي يستلهم تجربة التصوف، ومن هذه التنظيرات ما طرحة الباحث والروائي المغربي عبد الله بن عرفه، الذي صاغ تصورًا حول ما يسميه (الرواية العرفانية) التي تحتفي برؤى الإشراق والتجلي، لكن التجربة الإبداعية الأهم خصوصًا في مجال الرواية لا نجدها عن عبد الآله بن عرفه وإنما نجدها عند أسماء أخرى مهمة في هذا الاتجاه، منها تجربة الروائي جمال الغيطاني، خصوصًا في رواية «كتاب التجليات»، والكاتب عمار علي حسن في «شجرة العابد»، وهناك أعمال لها صله غير مباشرة بالتصوف منها «أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ، «فساد الأمكنة» لصبري موسى، وبشكل عام إن أدب التصوف يمثل نبعًا غنيًا يمكن للمبدع المعاصر أن ينهل منه. كما يعتقد أستاذ النقد الأدبي بآداب القاهرة، أن هناك جانبين أساسين يجعلان هذا النوع من الأدب مغريًا على مستوى الكتابة والتلقي بوجه عام، يرتبط أولهما بمساحة الحرية الكبيرة وبجانب الخيال الذي لا حدود له، والثاني يتعلق بالجمليات والصياغات المهمة التي تمثل جزءًا من أدب التصوف خلال تاريخه. فيما كان للناقد الأدبي الدكتور سيد ضيف، رأي آخر، غلبت عليه النزعة السياسية، قائلًا: في حالة تعرض الناس للخطر وسيطرة الخوف والذعر عليهم وتعرضهم لشتى أنواع الموت الرخيص، يكون أمامهم عدة طرق، منهم من يتجه لزهد الدنيا إما عن طريق الملاهي الليلة والرغبة في الانتصار على الواقع، أو الاستغراق في التوحد مع الله والالتصاق مع مصدر الحماية والأمان والمصير الذي سينتهي إليه، وذلك عن طريق «التصوف». وهذا ما نجده على مستوى الرواية، اليوم الشباب يشعر أنه لا قيمة له ولا أحلام لديه، بعدما فشلت الأيدلوجيات السياسية الكبرى في استيعابهم وخلق أحلام جديدة لهم، فأصبح الشباب سواء على مستوى الكتابة أو التلقي يعانون إنعدام الوزن بين الروح والجسد، لذا لجأ المبدع الشباب إلى روح الكتابة الصوفية؛ حيث وجد منطقة للتصالح مع الخيال الذي حرمته منه إيدلوجيات الإسلام السياسي، كما وجد فيه منطقة ثرية لتغذي عالم الرواية. وعن أسباب إقبال الشباب على قراءة هذا النوع من الأدب ذو النزعة الصوفية، يقول «ضيف»: استطاعت هذه التجارب الجديدة التعبير عن احتياج الشباب في التواصل النفسي والروحي وتحقيق التوازن بينهما وبين الواقع وهذا هو سر إقبال الشباب عليها في ظل الجمود المادي الذي يعيشون فيه. إذن نحن نقف أمام تجربة أدبية تحاول النهوض من مرقدها بعد غفوة لمئات السنوات، محاولة جذب العديد من الشباب وصحبهم لعالم القراءة من جديد. «الروح» ذلك اللغز الذي مهما حاولنا البحث عنه لا نسطيع فك طلاسمه، لذا دعونا نأخذ الأمور على علتها، فهذه الطاقة الخفية داخلنا تنجذب دائمًا للحب وكأنها تتصالح مع فطرتها التي خلقت بها، وللمصريين في هذا الشأن حالة خاصة إذ ترأهم ينجذبون لكل شئ ينبض في الحياة جمالًا وحبًا. في الفترة الأخيرة، تحديدًا بعد ثورة 25 يناير ظهرت بعض الكتب الروائية التي غلبت عليها النزعة الصوفية لشباب الكُتاب مثل «ترنيمة سلام» لأحمد عبد المجيد، والتي لاقت قبولًا شديدًا لدى القراء –ليس هذا فحسب- بل استطاعت الوصول للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2013 فرع المؤلف الشاب، إذ ناقشت الصراع الروحي الذي يحياه الإنسان في العالم اليوم، فقد ذهب المؤلف والقارئ في رحلة يبحثون فيها عن السلام النفسي. أيضًا لاقت بعض الروايات المترجمة مثل «قواعد العشق الأربعون»للكاتبة التركية (إليف شافاق) التي تناولت لمحات من حياة أحد رواد الصوفية في العالم (جلال الدين الرومي، الحلاج)، إقبال الكثير من القراء وطبعت عدة طبعات شعبية. قبل الدخول إلى عالم الكتابة ذو النزعة الصوفية، التي انتشرت مؤخرًا بين الشباب في مصر، يمكننا تقسيم الأدب الصوفي إلى ثلاثة أطوار: الأول بدأ مع ظهور الإسلام وانتهي في أواسط القرن الثاني للهجرة؛ وكل ما بين أيدينا منه طائفة كبيرة من الحكم والمواعظ الدينية والأخلاق تحث على كثير من الفضائل، وتدعو إلى التسليم بأحكام الله ومقاديره، وإلى الزهد والتقشف وكثرة العبادة والورع، وعلى العموم تصور لنا عقيدة هذا العصر من البساطة والحيرة. أما الطور الثاني بدأ من أواسط القرن الثاني الهجري إلى القرن الرابع، وهنا يبدو ظهور آثار التلقيح بين الجنس العربي والأجناس الأخرى، وفيه يظهر اتساع أفق التفكير اللاهوتي، وتبدأ العقائد تستقر في النفوس على أثر نمو علم الكلام، وفيه يظهر عنصر جديد من الفلسفة. والأدب الصوفي في طوريه الأول والثاني أغلبه من النثر، وإن ظهر الشعر قليلًا في طوره الثاني، وفي الطور الثاني هذا بدأ تكوّن الاصطلاحات الصوفية كالشطحات والإشراقات وغيرها. أما الطور الثالث فيستمر حتى نهاية القرن السابع وأواسط القرن الثامن، وهو العصر الذهبي في الأدب الصوفي، غني في شعره، غني في فلسفته، شعره من أغنى ضروب الشعر وأرقاها، وهو سلس واضح وإن غمض أحيانا، هذا، وقد تطور الأدب الصوفي نثرا وشعرا، وبلغ الشعر الصوفي ذروته مع ابن العربي وابن الفارض في الشعر العربي، وجلال الدين الرومي في الشعر الفارسي. ولم ينته القرن الثالث الهجري حتى أصبح الشعر الصوفي شعرًا متميزًا يحمل بين طياته منهجا كاملا للتصوف، وأما الذين جاؤوا بعدهم فإنهم تميزوا بالإفاضة والتفسير. كانت هذه بداية الأدب الصوفي الذي قل انتشاره وانتاجه شئيًا فشيئا مع مرور الزمن وتغير الحياة، وها اليوم يعود على استحياء مع تجارب إبداعية لشباب الكُتاب، لكن يا تُرى ما هو السر وراء احتفاء القراء به والحرص على تداوله خاصة بين الشباب؟، يجيبنا في ذلك النقاد: الدكتور حسين حمودة، والدكتور سيد ضيف. يرى «حمودة» أن أدب التصوف يمثل تجربة مهمة من تجارب الإبداع، ويرتبط بنوع التحول عبر فترات التاريخ، حتى نصوص التصوف،كما كتبها المتصوفة في أزمنة قديمة لم تكن جزء من الأدب، ولكن النظرة إلى هذه النصوص في هذا العصر الحديث أكتشفت فيها جماليات وصيغات إبداعية رفيعة المستوى، استلهموها بطرق متنوعة، فمن القيم الكبرى في هذا النوع من الأدب، أنه يمنح المبدع مساحة رحبة من الحركة عبر الأزمنة المتعددة والأماكن المختلفة والشخصيات المتباينة، وفيه تتلاشى الحدود والطلاسم وهذا كله يقدم للإبداع قدرًا هائلًا من الحرية. وأكد «حمودة» أن هناك تنظيرات حديثة كثيرة حول الأدب الجديد الذي يستلهم تجربة التصوف، ومن هذه التنظيرات ما طرحة الباحث والروائي المغربي عبد الله بن عرفه، الذي صاغ تصورًا حول ما يسميه (الرواية العرفانية) التي تحتفي برؤى الإشراق والتجلي، لكن التجربة الإبداعية الأهم خصوصًا في مجال الرواية لا نجدها عن عبد الآله بن عرفه وإنما نجدها عند أسماء أخرى مهمة في هذا الاتجاه، منها تجربة الروائي جمال الغيطاني، خصوصًا في رواية «كتاب التجليات»، والكاتب عمار علي حسن في «شجرة العابد»، وهناك أعمال لها صله غير مباشرة بالتصوف منها «أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ، «فساد الأمكنة» لصبري موسى، وبشكل عام إن أدب التصوف يمثل نبعًا غنيًا يمكن للمبدع المعاصر أن ينهل منه. كما يعتقد أستاذ النقد الأدبي بآداب القاهرة، أن هناك جانبين أساسين يجعلان هذا النوع من الأدب مغريًا على مستوى الكتابة والتلقي بوجه عام، يرتبط أولهما بمساحة الحرية الكبيرة وبجانب الخيال الذي لا حدود له، والثاني يتعلق بالجمليات والصياغات المهمة التي تمثل جزءًا من أدب التصوف خلال تاريخه. فيما كان للناقد الأدبي الدكتور سيد ضيف، رأي آخر، غلبت عليه النزعة السياسية، قائلًا: في حالة تعرض الناس للخطر وسيطرة الخوف والذعر عليهم وتعرضهم لشتى أنواع الموت الرخيص، يكون أمامهم عدة طرق، منهم من يتجه لزهد الدنيا إما عن طريق الملاهي الليلة والرغبة في الانتصار على الواقع، أو الاستغراق في التوحد مع الله والالتصاق مع مصدر الحماية والأمان والمصير الذي سينتهي إليه، وذلك عن طريق «التصوف». وهذا ما نجده على مستوى الرواية، اليوم الشباب يشعر أنه لا قيمة له ولا أحلام لديه، بعدما فشلت الأيدلوجيات السياسية الكبرى في استيعابهم وخلق أحلام جديدة لهم، فأصبح الشباب سواء على مستوى الكتابة أو التلقي يعانون إنعدام الوزن بين الروح والجسد، لذا لجأ المبدع الشباب إلى روح الكتابة الصوفية؛ حيث وجد منطقة للتصالح مع الخيال الذي حرمته منه إيدلوجيات الإسلام السياسي، كما وجد فيه منطقة ثرية لتغذي عالم الرواية. وعن أسباب إقبال الشباب على قراءة هذا النوع من الأدب ذو النزعة الصوفية، يقول «ضيف»: استطاعت هذه التجارب الجديدة التعبير عن احتياج الشباب في التواصل النفسي والروحي وتحقيق التوازن بينهما وبين الواقع وهذا هو سر إقبال الشباب عليها في ظل الجمود المادي الذي يعيشون فيه. إذن نحن نقف أمام تجربة أدبية تحاول النهوض من مرقدها بعد غفوة لمئات السنوات، محاولة جذب العديد من الشباب وصحبهم لعالم القراءة من جديد. «الروح» ذلك اللغز الذي مهما حاولنا البحث عنه لا نسطيع فك طلاسمه، لذا دعونا نأخذ الأمور على علتها، فهذه الطاقة الخفية داخلنا تنجذب دائمًا للحب وكأنها تتصالح مع فطرتها التي خلقت بها، وللمصريين في هذا الشأن حالة خاصة إذ ترأهم ينجذبون لكل شئ ينبض في الحياة جمالًا وحبًا. في الفترة الأخيرة، تحديدًا بعد ثورة 25 يناير ظهرت بعض الكتب الروائية التي غلبت عليها النزعة الصوفية لشباب الكُتاب مثل «ترنيمة سلام» لأحمد عبد المجيد، والتي لاقت قبولًا شديدًا لدى القراء –ليس هذا فحسب- بل استطاعت الوصول للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2013 فرع المؤلف الشاب، إذ ناقشت الصراع الروحي الذي يحياه الإنسان في العالم اليوم، فقد ذهب المؤلف والقارئ في رحلة يبحثون فيها عن السلام النفسي. أيضًا لاقت بعض الروايات المترجمة مثل «قواعد العشق الأربعون»للكاتبة التركية (إليف شافاق) التي تناولت لمحات من حياة أحد رواد الصوفية في العالم (جلال الدين الرومي، الحلاج)، إقبال الكثير من القراء وطبعت عدة طبعات شعبية. قبل الدخول إلى عالم الكتابة ذو النزعة الصوفية، التي انتشرت مؤخرًا بين الشباب في مصر، يمكننا تقسيم الأدب الصوفي إلى ثلاثة أطوار: الأول بدأ مع ظهور الإسلام وانتهي في أواسط القرن الثاني للهجرة؛ وكل ما بين أيدينا منه طائفة كبيرة من الحكم والمواعظ الدينية والأخلاق تحث على كثير من الفضائل، وتدعو إلى التسليم بأحكام الله ومقاديره، وإلى الزهد والتقشف وكثرة العبادة والورع، وعلى العموم تصور لنا عقيدة هذا العصر من البساطة والحيرة. أما الطور الثاني بدأ من أواسط القرن الثاني الهجري إلى القرن الرابع، وهنا يبدو ظهور آثار التلقيح بين الجنس العربي والأجناس الأخرى، وفيه يظهر اتساع أفق التفكير اللاهوتي، وتبدأ العقائد تستقر في النفوس على أثر نمو علم الكلام، وفيه يظهر عنصر جديد من الفلسفة. والأدب الصوفي في طوريه الأول والثاني أغلبه من النثر، وإن ظهر الشعر قليلًا في طوره الثاني، وفي الطور الثاني هذا بدأ تكوّن الاصطلاحات الصوفية كالشطحات والإشراقات وغيرها. أما الطور الثالث فيستمر حتى نهاية القرن السابع وأواسط القرن الثامن، وهو العصر الذهبي في الأدب الصوفي، غني في شعره، غني في فلسفته، شعره من أغنى ضروب الشعر وأرقاها، وهو سلس واضح وإن غمض أحيانا، هذا، وقد تطور الأدب الصوفي نثرا وشعرا، وبلغ الشعر الصوفي ذروته مع ابن العربي وابن الفارض في الشعر العربي، وجلال الدين الرومي في الشعر الفارسي. ولم ينته القرن الثالث الهجري حتى أصبح الشعر الصوفي شعرًا متميزًا يحمل بين طياته منهجا كاملا للتصوف، وأما الذين جاؤوا بعدهم فإنهم تميزوا بالإفاضة والتفسير. كانت هذه بداية الأدب الصوفي الذي قل انتشاره وانتاجه شئيًا فشيئا مع مرور الزمن وتغير الحياة، وها اليوم يعود على استحياء مع تجارب إبداعية لشباب الكُتاب، لكن يا تُرى ما هو السر وراء احتفاء القراء به والحرص على تداوله خاصة بين الشباب؟، يجيبنا في ذلك النقاد: الدكتور حسين حمودة، والدكتور سيد ضيف. يرى «حمودة» أن أدب التصوف يمثل تجربة مهمة من تجارب الإبداع، ويرتبط بنوع التحول عبر فترات التاريخ، حتى نصوص التصوف،كما كتبها المتصوفة في أزمنة قديمة لم تكن جزء من الأدب، ولكن النظرة إلى هذه النصوص في هذا العصر الحديث أكتشفت فيها جماليات وصيغات إبداعية رفيعة المستوى، استلهموها بطرق متنوعة، فمن القيم الكبرى في هذا النوع من الأدب، أنه يمنح المبدع مساحة رحبة من الحركة عبر الأزمنة المتعددة والأماكن المختلفة والشخصيات المتباينة، وفيه تتلاشى الحدود والطلاسم وهذا كله يقدم للإبداع قدرًا هائلًا من الحرية. وأكد «حمودة» أن هناك تنظيرات حديثة كثيرة حول الأدب الجديد الذي يستلهم تجربة التصوف، ومن هذه التنظيرات ما طرحة الباحث والروائي المغربي عبد الله بن عرفه، الذي صاغ تصورًا حول ما يسميه (الرواية العرفانية) التي تحتفي برؤى الإشراق والتجلي، لكن التجربة الإبداعية الأهم خصوصًا في مجال الرواية لا نجدها عن عبد الآله بن عرفه وإنما نجدها عند أسماء أخرى مهمة في هذا الاتجاه، منها تجربة الروائي جمال الغيطاني، خصوصًا في رواية «كتاب التجليات»، والكاتب عمار علي حسن في «شجرة العابد»، وهناك أعمال لها صله غير مباشرة بالتصوف منها «أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ، «فساد الأمكنة» لصبري موسى، وبشكل عام إن أدب التصوف يمثل نبعًا غنيًا يمكن للمبدع المعاصر أن ينهل منه. كما يعتقد أستاذ النقد الأدبي بآداب القاهرة، أن هناك جانبين أساسين يجعلان هذا النوع من الأدب مغريًا على مستوى الكتابة والتلقي بوجه عام، يرتبط أولهما بمساحة الحرية الكبيرة وبجانب الخيال الذي لا حدود له، والثاني يتعلق بالجمليات والصياغات المهمة التي تمثل جزءًا من أدب التصوف خلال تاريخه. فيما كان للناقد الأدبي الدكتور سيد ضيف، رأي آخر، غلبت عليه النزعة السياسية، قائلًا: في حالة تعرض الناس للخطر وسيطرة الخوف والذعر عليهم وتعرضهم لشتى أنواع الموت الرخيص، يكون أمامهم عدة طرق، منهم من يتجه لزهد الدنيا إما عن طريق الملاهي الليلة والرغبة في الانتصار على الواقع، أو الاستغراق في التوحد مع الله والالتصاق مع مصدر الحماية والأمان والمصير الذي سينتهي إليه، وذلك عن طريق «التصوف». وهذا ما نجده على مستوى الرواية، اليوم الشباب يشعر أنه لا قيمة له ولا أحلام لديه، بعدما فشلت الأيدلوجيات السياسية الكبرى في استيعابهم وخلق أحلام جديدة لهم، فأصبح الشباب سواء على مستوى الكتابة أو التلقي يعانون إنعدام الوزن بين الروح والجسد، لذا لجأ المبدع الشباب إلى روح الكتابة الصوفية؛ حيث وجد منطقة للتصالح مع الخيال الذي حرمته منه إيدلوجيات الإسلام السياسي، كما وجد فيه منطقة ثرية لتغذي عالم الرواية. وعن أسباب إقبال الشباب على قراءة هذا النوع من الأدب ذو النزعة الصوفية، يقول «ضيف»: استطاعت هذه التجارب الجديدة التعبير عن احتياج الشباب في التواصل النفسي والروحي وتحقيق التوازن بينهما وبين الواقع وهذا هو سر إقبال الشباب عليها في ظل الجمود المادي الذي يعيشون فيه. إذن نحن نقف أمام تجربة أدبية تحاول النهوض من مرقدها بعد غفوة لمئات السنوات، محاولة جذب العديد من الشباب وصحبهم لعالم القراءة من جديد.