شهدت ليبيا خلال الأيام الأخيرة الماضية أزمة جديدة بعدما طرأت عدة تغيرات سياسية وقانونية في البلاد بشكل يهدد وحدة البلاد وينال من استقرارها، حيث أصدرت المحكمة الدستورية العليا الخميس الماضى حكمًا يقضي بحل البرلمان الليبي المنتخب واعتبار كل قراراته وإجراءاته في حكم العدم واعتباره كأن لم يكن. واستندت المحكمة الدستورية فى حكمها بحل البرلمان الليبي وفق الإعلان الدستوري الذي ينص على عقد جلسات البرلمان في مدينة بنغازي ، وهو ما لم يتم، حيث عقدت الجلسات في مدينة طبرق شرق ليبيا، نظرًا للاشتباكات المتتالية في مدينة بنغازي بين قوات كرامة ليبيا التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مواجهة قوات فجر ليبيا التي ينتمي معظمها للإخوان. وأثار قرار حل البرلمان الليبي ردود أفعال داخلية وخارجية، ففي الداخل رحبت التيارات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين بالقرار وطالبت مجلس النواب المنتخب باحترام قرار المحكمة، كما طالبت المجتمع الدولي باحترام القرار والسيادة الليبية، بينما رفض "البرلمان الليبي" المنحل قرار الدستورية معتبرًا أنه جاء تحت تهديد السلاح على خلفية حصار العديد من الجماعات المسلحة الليبية مدينة بنغازي والمحكمة الدستورية قبيل النطق بالحكم، إلا أن بعض النواب اعترفوا بالحكم وأعلنوا احترامهم له، في الوقت الذي هدد النواب الفيدراليون بتقسيم البلاد بحيث تصبح مدينة «برقة» كيانا مستقلا لهم ومنهم من تحدث عن اللجوء إلى القضاء الدولى لحسم المسألة. في الخارج تنوعت التعقيبات الدولية على قرار المحكمة الستورية وما أعقبه من ردود أفعال، بعض الدول مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا فضلت عدم التعقيب على قرار الدستورية الليبية، فيما أعربت ايطاليا على لسان وزير خارجيتها عن خشية بلاده من أن يؤدي القرار إلى زيادة تدهور الأزمة السياسية، داعياً إلى مبادرة دولية، مشيرًا إلى أن هذا القرار من شأنه أن يعقّد الأوضاع المتأزمة أكثر. الأممالمتحدة علقت على هذه الأزمة السياسية وقالت في بيان على موقعها أنها تدرسه، ومن ثم فإنها لم تحدد أى موقف إزاءه، فى حين طالبت بالإسراع فى إيجاد حل سياسى للأزمة، بينما كان لمصر الدولة المتأثرة بالوضع الليبي والتي تمثل محور مهم فى الصراع الدائر بالمنطقة تعقيبًا على هذا القرار حيث أصدرت الخارجية المصرية بيانًا أمس قالت فيه إنها تدعم المؤسسات الليبية في جهودها للاضطلاع بمسئولياتها في الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وسلامتها الإقليمية، ما يعني من قراءة هذا البيان أن محور السعودية مصر الإمارات سيكون له موقفًا بالجامعة العربية فى مواجهة قرار المحكمة الدستورية، وحشد المجتمع الدولي للاعتراف مرة أخرى بالبرلمان الليبي وحكومة الثني المنبثقة عنه. بعيدًا عن حكم المحكمة الدستورية وحل البرلمان، فالمتابع للشأن الليبي يري أن الأزمة بعيده كل البعد عن الخلاف القانوني، فحسب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، برناردينو ليون، فالخلاف في ليبيا ليس خلافًا قانونيًا وإنما هو خلاف سياسي يرتدي زي الخلاف الدستوري. هناك ثلاثة أطراف يمثلون شكل الصراع في ليبيا الآن الأول متمثل فى جماعة الإخوان المسلمين وجماعات مسلحة أخرى تسيطر على بنغازي ويمثلهم سابقًا المؤتمر الوطني الليبي والثانية قوى البرلمان الليبية وحكومة الثني المنبثقة عنه مدعومة بقوات خليفة حفتر و90 % من الجيش الليبي، والثالثة تمثل القبائل البدوية أنصار الرئيس السابق معمر القذافي والذين هاجر أكثرهم ويعيشون الآن خارج البلاد ولكن ما زال لديهم تأثير سياسي في البلاد. يري مراقبون للوضع أن التحدي الذي تواجه الأزمة الليبية في الوقت الراهن هو ضرورة توافق جميع الأطراف السابقة على ملامح العملية السياسية لإيجاد حلول سلمية للوضع المتفجر في ليبيا، وإذا لم يتحقق ذلك فالفصل الجديد من الصراع السياسي والدستوري ينذر بخطر مواصلة حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي ويعرقل كل الجهود الهادفة لحل الأزمة في ليبيا، التي تشهد أعمال عنف وفوضى دستورية غير مسبوقة.