كثرت الدراسات والنظريات التي حاولت فهم طبيعة ما يجري في العالم العربي خصوصاً بعد تنامي خطر "داعش" وكافة التيارات التي تدور في فلكها. ضمن هذا السياق قد أصبح واضحاً لأغلبية الشعب العربي وللرأي العام العالمي أكذوبة الديمقراطية، الإصلاح وحماية الأقليات التي طرحتها الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال دعمها لما يسمى بالربيع العربي. بعد فشل كافة المحاولات الأمريكية في حسم مخطط السيطرة على العالم العربي من خلال الثورات، بدأت واشنطن بمراهنتها على دورمنظمات إرهابية "إسلامية" في تحقيق أهدافها وبالتالي كسر الصمود السوري، إسقاط الدولة العراقية وشلّ الدولة المصرية،بالإضافة إلى كل هذا، كثّفت واشنطن الضغط على روسيا من البوابة الأوكرانية وذلك في محاولة لمقايضة المحور الدولي الرافض للهيمنة الأمريكية على العالم. تُعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية الخاسر الأول لصمود الدول العربية المستهدفة؛ سوريا، مصر والعراق. يبرز هذا الصمود تراجع قوة واشنطن في الشرق الأوسط ويؤكد على صحة النظريات القائلة بانهيار الأحادية القطبية المتزامنة مع استراتيجية أوباما المتمثلة في "القيادة من الخلف". ضمن هذا الإطار، وصفت الباحثة الأميركية روزا بروكس، الولاياتالمتحدة بالعملاق الجريح (فورين بوليسي- أمريكا المحدودة)، وقال ديفيد بروتكوف، إنّ «الولاياتالمتحدة انتقلت من كونها قوة عظمى إلى مجرد معلّق سياسي على أحداث العالم» (فورين بوليسي). نمّى هذا الصمود التباعد في وجهات النظر ضمن الحلف الأمريكي وعزّز التشكيك في مكانة ومصداقية واشنطن أمام حلفائها وقدرتها على احترام تعهداتها، الأمر الذي أدّى إلى بروز تحالفات جديدة ضمن التحالف الواحد؛ السعودية ومصر في مواجهة تركيا وقطر. ساهمت الصراعات القائمة في العالم العربي وتنامي دور بعض الدول الإقليمية في تكريس نظرية تراجع قيمة القوة العسكرية التقليدية في تحقيق الهيمنة الدولية. ضمن هذا الإطار يمكن القول بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية ما زالت القوة العسكرية الأولى في العالم بلا منازع، ولكن هذه القوة العسكرية لم تعد تضمن دورها التقليدي المهيمن على العالم. نتيجة لما تقدم، يعتبر تمويل ودعم المنظمات الإرهابية من أهم الوسائل لتحقيق الأهداف الأمريكية؛ الهيمنة والفوضى. تحاول واشنطن تجاوز الخسائر التي مُنيت بها مؤخرا من خلال إعادة تمويلها ودعمها "المعارضة المعتدلة"وسعيها لإبراز نفسها بشكل المسيطر على زمام الأمور لاستعادة جزء من مصداقيتها المفقودة. تأتي ضمن هذه الاستراتيجية، محاولة واشنطن الفاشلة في تمرير مفهوم الشراكة الدولية بقيادة أمريكية كمحاولة أخيرة قبل الانتقال إلى المرحلة القادمة من الصراع والمواجهة والمتمثلة في الدخول رسميا في مرحلة الحرب الأهلية الإقليمية أو ما يطلق عليه توماس هوبز مصطلح "حرب الكل ضد الكل". تشير الأحداث التي تشهدها الساحة العربية، إلى أننا قد دخلنا حالة الفوضى العارمة وأن الدولة قد دخلت فعلا في مرحلة الغيبوبة الكاملة حيث تغيب كل من الشرعية والسلطة وتصبح الحياة بمقتضاها وفقا لتعبير هوبز"منعزلة، فقيرة، حقيرة، همجية وقصيرة". في المحصلة، إن الصراعات والحروب التي تشهدها الساحة الدولية هي نتيجة للمرحلة الانتقالية التي يعيشها النظام العالمي، وإن هذه المرحلة التي يمرّ به العالم ستستمر لمرحلة غير محددة من الزمن نكون فيه أمام عالم ممزق وغير قابل للحكم، تتراجع فيه قيمة القوة العسكرية التقليدية ويتعزز فيه دور المنظمات الإرهابية.