نجح برواياته في البحث عن معنى الوجود والتساؤلات المتناثرة بالحياة الزاخمة بالعديد من التناقضات، علاوة على إضفاء جوٍ من الرمزية والغموض برواياته عبر واقعية قارته الساحرة، هذا ما جعل القراء يتعلقون بأعماله حتى الآن. باتريك وايت، الأديب الأسترالي، الحائز على جائزة نوبل، والذي تمر اليوم ذكرى وفاته، ولد بلندن يوم 28 مايو من العام 1912 لأبوين أستراليين كان الفارق بينهما في العمر عشر سنوات و عادت الأسرة لأستراليا مرة أخرى، وتم الاستقرار بسيدني العاصمة، ولكن لمشاكل قائمة بين أعمام الأب فيكتور وايت ومشاكل زوجاتهم مع أمه رايت ويثيكومب، قررت أسرة وايت العودة إلى المملكة المتحدة والعيش بمزرعة جده الأكبر وايت، القابعة بنيو ساوث ويلز والذي هاجر بها الجد في العام 1826. عند بلوغ باتريك وايت سن الشباب عمل مزارعًا بمزرعة أبيه على الرغم من معاناته من اعتلال صحته في الطفولة، وبدأ يقترب وايت من الفن بعد زيارته لإحدى المسرحيات بلندن ليبدأ تعلقه بالفن متلمسًا الأدب بأشكاله المختلفة وهنا قرر وايت دراسة اللغات الحديثة بجامعة كمبريدج، بدأ يدخل الأدب من خلال الشعر ديوان الأدباء الشبان و بطاقة الإقتراب من عالم الفن و الأدب و جاء العام 1929 ليكون بادرة وايت الأدبية بإصداره أول ديوان شعري بعنوان (ثلاثة عشرة قصيدة)، وتم طباعة هذا الديوان بسيدني، جاء العام 1935 ليكون بداية تعارف الجمهور على كاتب حديث النشأة الأدبية وفي جعبته الكثير والكثير ليصدر ديوانه الثاني بعنوان (المزارع)، وكأنه يعبر عن بيئته التي وضعت ببذورها وأرضها الخضراء قريحته الشعرية، ولكن لم يجد وايت طموحه الأدبي في الشعر ليبحث عن مصادر أدبية أخرى ترضي تطلعه. وقعت الحرب العالمية الثانية في العام 1939 ليلتحق وايت بسلاح الجو الملكي نظرًا لتبعية أستراليا للتاج البريطاني وكانت للحرب دورًا في تضفير موهبته الأدبية باقتحامه عالم الرواية بإصدار روايته في عام الحرب بعنوان (الوادي السعيد)، وهذه الرواية كان متأثرًا في أسلوبه بديفيد هنري لورانس والشاعر الإنجليزي توماس هادري الذي جمع بينهما روح التشاؤم الإيجابي من أجل إيقاظ الإنسان من سباته العميق لترقب الخطر وتحاشيه. صدر في العام 1941 رواية (حي و ميت) وكانت تلك الرواية تعبر عن رموز الحرب العالمية الثانية الحاملة لأزيز الطائرات وأصوات المدافع والبنادق وتراقص الحياة والموت، وكأن الرصاص شعرة رفيعة بينهما في التو واللحظة والإنسان حائرًا بينهما في غمضة عين. بإنتهاء الحرب العالمية الثانية عاد وايت لأستراليا ليستقر بها، وكان لعودة الوطن دور في إظهار أسلوبًا فريدًا لوايت بجعل القارة الأسترالية الجديدة نقطة إبداع لعناوين قصص وروايات سائرًا على نهج الأدب اللاتيني بإضفاء جو من الغموض والواقعية الساحرة وإبراز عظمة وروعة القارة الأسترالية، على الرغم من تطفل المدنية ووضعها تروسًا ناهشة لطبيعة الإنسان مما يخل بتوازن القارة، وهذا بدا واضحًا بروايته الأولى في أرض الوطن (قصة العمة) في العام 1948، وتلتها رواية (شجرة الإنسان) في العام 1956، و(فوس) في العام 1957، و(راكبو العربة) في العام 1961، و(دائرة الكون) في العام 1966، وفي العام 1970 (المُشرح)، وفي العام 1973 (عين العاصفة)، وفي العام 1976 (حافة ورق الشجر)، و(قضية توايبورن) في العام 1979، و(ذكريات واحدة) العام 1986. كتب وايت للمسرح الذي عشق الأدب من أجله ومن هذه المسرحيات مجموعة (أربع مسرحيات) العام 1965، ومسرحية (ليلة على الجبل الأقرع) 1964، و(ألعاب كبيرة) العام 1978، و(نيزروود) العام 1983، و(إشارة السائق) العام 1983، و(مسرحيات مجمعة) العام 1985. كان رافضًا للجوائز ورفض من قبل جائزة (البوكر) التي منحت لروايته (المُشرح)، وتم ترشيحه لنفس الجائزة بعد وفاته لأنه لا يستطيع رفضها لوجوده بالعالم الآخر، وعند فوزه بنوبل خشيت اللجنة من رفضه الجائزة، فأبلغت صديقته الرسامة (سيدني نولان سيدي) الأسترالية لتبلغه بالجائزة ليقبلها على شرط أن تذهب صديقته لإستلام الجائزة، ولم يتم عمل محاضرة كما هو المعتاد بالأكاديمية السويدية لغياب عريس الجائزة، وألقت (سدني نولان سيدي) خطبة قصيرة كتبها العريس مبديًا فيها سعادته بالجائزة التي ذكرته بزيارته القصيرة لإستكهولم ومالمو السويديتين، وهو في السادسة عشر من عمره والسويد هي التي عرفته بأول كأس من النبيذ ليعيش عيشة الشباب الباحث عن متعة الحياة وصخبها، والآن يعود لها عبر هذا الخطاب حيث التكريم الذي ناله من تلك المدينة الساحرة.