حالفني الحظ حين شاءت الأقدار لزيارة بيت الزعيم جمال عبد الناصر في أواخر الثمانينات أثناء النظر في قضية تنظيم ثورة مصر التي رفضت الوجود الصهيوني على أرض مصر ومشاركاته الفاضحة في معرض الكتاب ,كانت الزيارة تستهدف مساندة السيدة حرم الدكتور الراحل خالد عبد الناصر الذي كان مقيماً بيوغسلافيا ومتهماً بالانضمام للتنظيم حين وصلنا للمنزل تقدم بعض الحرس لفتح الباب الخارجي المؤدي لحديقة صغيرة تحيط بالمنزل وتنتهي إلى بهو تعلق على جدرانه صورة للزعيم شعرت أنه يقف شامخاً لاستقبالنا وشعرت برهبة اللقاء كنت أنتظر الدخول للمنزل بفارغ الصبر استقبلتنا السيدة داليا بترحاب شديد وجلسنا في البهو المواجه للدور العلوي ورحت أتجول بالنظر في المكان الذي عاش فيه زعيم الأمة العربية وأنا لا أصدق هنا كان يجلس عبد الناصر وهنا كان يتصفح الأخبار وهناك يصعد الدرج ليخطف سويعات نوم معدودة وإلى الجوار كان يستقبل أعظم الشخصيات التي صنعت تاريخ شعوب العالم رحت أتأمل البيت البسط المتواضع الذي يدل آثاثه على القدم والعراقة دون أن يتغير منه شئ فعلى اليسار صالة استقبال خصصها عبد الناصر للإستقبالات تقودنا إلى غرفة مكتبه وهى عبارة عن مجموعة دواليب معلقة على الحوائط يتوسطها مكتب صغير بسيط أمامه 2 كرسي للاسترخاء في حالات الإرهاق أو نوبات المرض فضلاًعن الخزينة التي تم جردها عقب وفاته مباشرة ثم أغلقت ,على اليمين الكثير من الصور التي التقطت للزعيم مع معظم زعماء العالم خاصة المقربين منه مثل أنديرا غاندي- سوكارنو- خروشوف- لومبوبا وبعض الصور الشخصية لزفافه وزفاف أولاده ,أما الدور الثاني فقد أعد للحياة الخاصة للزعيم ويحوي غرف النوم والمطبخ بالإضافة لغرفة تضم مايزيد عن 40 ألف صورة لعبد الناصر مع مختلف الشخصيات العامة والخاصة وبعض اللوحات الزيتية وشرائط تضم خطبه وأفلامه حيث كان يهوى التصوير وبانتهاء الزيارة أحسست أنني أستنشق هواء الحرية في زمن العزة والكرامة وأنني محظوظة لإتاحة فرصة يشتاق لها الملايين من عشاق عبد الناصر لكن ظل إحساسي بالحسرة والخوف على ضياع مقتنيات المنزل وضياع جزء من تاريخ مصر الحديث لاسيما بعد وفاة حرمه وتسليم المنزل لرئاسة الجمهورية يتأكد بمرور السنين فالمنزل مهمل وعرضة للنهب والسلب رغم أنه مشروع متحف جاهز للإنشاء كمبنى ومقتنيات كما إن المادة رقم 77 لعام 1970 الذي أصدره مجلس الأمة عقب وفاة عبد الناصر نصت المادة الأولى منه على تحويل البيت كمتحف ومزار تخلد به ذكرى الزعيم بالإضافة لضم مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة كملحق للمتحف بحيث يحوي كل ما تركه وما كان يستخدمه خاصة السيارة الأوستن السوداء التي استقلها ليلة الثورة في تحريك الثوار التي نأمل ألا تباع كنظيرتها الكاديلاك التي أهداها له جون كيندي وبيعت عام 1979 للمطرب عزت أبو عوف ب 4 آلاف جنيه فقط!!. مع تعاقب الحكومات منذ وفاة الزعيم التي شارفت على الخمسين عاماً وحتى الأن لم تفكر إحداها في تفعيل القانون وتحويل البيت إلى متحف يرى النور ويستقبل مئات بل آلاف من الزائرين الذين يقرأون التاريخ ويستلهمون عبقه ويضخون مئات الآلاف من الجنيهات في خزانة الدولة ألا آن الآوان لإعطاء كل ذى حق حقه بإصدار قرار الإنشاء نعتقد أن الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة بوسعه أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه بإقامة المتحف ونعتقد أيضاً أن الأمر لايحتاج لإمكانات مادية بقدر ما يحتاج لإرادة سياسية تبدي انحيازها لتعميق الهوية الثقافية والتاريخية والانتماء للوطن لدى الأجيال القادمة.