في يوم السبت، السابع من شوال في السنة الثالثة للهجرة، 23 مارس 625 م، خالف “الصحابة المسلمين” أوامر قائدهم صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد؛ حيث فرحوا بانتصار بسيط غير مكتمل وغير ساحق لعدوهم، وتركوا مواقعهم في أماكن حماية “ميدان المعركة” ونزلوا ليحصدوا الغنائم التي خلفها الفارون من أعدائهم ... فخسر المسلمون المعركة. وشتان ما بين الصحابة المسلمين والإخوان المسلمين ومن والاهم من السلفيين المسلمين، فالأخيرين لم يتعلموا الدرس أبدا من الأولين، فبعد صفقة ابرموها مع النظام المترنح بفعل الثورة – لمساندته حفاظا عليه من السقوط – شارك الإخوان دون غيرهم في خرافة استفتاء مارس 2011، وراحوا يستخدمون الإسلام ليسوقوا الكثيرين من المصريين البسطاء كالأغنام؛ حيث صدقوا أن الاستفتاء كان على المادة الثانية، وأن هذه المادة هي الضامنة لإسلامية الدولة، ولم يكن غريبا وقد استخدمت المنابر لهذا الغرض الرخيص أن يخرج علينا حاصدي الغنائم بفرحتهم وتهليلهم لغزوة الصناديق، التي انتصر فيها الإسلام باعتبار أن من قالوا لا كفارا. “المسلمون قالوا نعم للإسلام والمسيحيون قالوا لا للمسلمين”، هذا ما كان ولا يزال يعتقد الكثيرون أنه الاستفتاء، حتى الذين قالوا نعم للاستقرار وعجلة الإنتاج وما غير ذلك من خرافات مجهضات للثورة حتى هؤلاء لم يقل أي منهم نعم للمجلس العسكري كما خرج علينا ممدوح شاهين بذلك وكأنه لا ينطق عن الهوى وأنه المنوط به معرفة نوايا المصريين، لم ينتبه من سيقوا كالأغنام دون أقل مجهود للفهم وتحمل مسئولية الصوت الانتخابي لم ينتبه لأنه قد استخدم. حتى من قالوا لا لم يكن جميعهم واعيا على نفس الدرجة فقد سيق الكثيرون من المسيحيين بالفعل رعبا من الإخوان والسلفيين وقطع الآذان والأيادي وحرق الكنائس، وبعض الذين قالوا لا كانوا يفطنون أن الثورة لا يمكنها أبدا إلا أن تقول لا لاستعادة قوة وهيبة وسلطة وهيمنة نظام فاسد قامت لتسقطه ولم تزل تسعى. ساق العسكر المصريون باسم الوطن والتاريخ والجيش الخط الأحمر، وساق الإخوان والسلف والأزهر والكنيسة المصريون باسم الله والدين والجنة والنار، ساق من لا يرى في مصر إلا غنيمة ملايين المصريين كأنهم أغنام، ساقوا المصريين دون أن يمنع السائق أو المسوق ما كانوا يتعثرون به من جثث الشهداء، ودماء الشهداء، وعيون من فقدوا عيونهم في الثورة، وعظام من تهشمت عظامهم في الثورة، وبكارة وطهارة وعذرية من كشف على عذريتهم في الثورة، وقبيل الاستفتاء بأيام. وبعد الاستفتاء مباشرة ألقى العسكر بصوف الاستفتاء وأذاب بدهنه 63 مادة لم يستفت فيهم أحدا، وهل يسأل الراعي القطيع عن رأيه، هكذا يتعامل العسكر وأتباعهم مع المصريين كقطيع من الأغنام، ولم يخرج آنذاك معترضا لا طارق البشري ولا صبحي صالح ولا غيرهم من لجنة إعداد المواد المستفتى عليها ولا حتى من الرعاة المحتفلون بغزوات الصناديق، مع أن الصناديق قد فضت بكارتها تمهيدا لانتهاكات/انتخابات نوفمبر. وكما ذبح النظام أشرف وأطهر وأشجع من في مصر من قبل 25 يناير وحتى ذبح عذرية المصريات ما بين 9 مارس و19 مارس كنوع من طقوس الاستفتاء، كذلك فعل دون أن يقطع لنفسه عادة أو ندر، فقد راح يذبح ويفقأ عيون أشرف وأطهر وأشجع من في مصر أضحية لانتخابات لهث عليها حاصدي الغنائم وهو ما لا يستغربه عاقل، لكن المدهش هو هذا الترحيب المبالغ فيه ممن أعادوا تأكيدهم لقبولهم أن يكونوا غنما يساقوا دون وعي ولا اهتمام ولا مسئولية. وكما ألقى العسكر الاستفتاء في الزبالة، ألقى وبدم بارد أجساد الشهداء في الزبالة، غضب الشرفاء وثاروا ولم تثر الأغنام، فقأ العسكر عيون الثوار بدم بارد، فغضب الشرفاء وثاروا، ولم يتحرك صوف الأغنام ولا دهنهم المتدلي أسفلهم، بل ساهموا مع رعيانهم في سب الثوار واتهامهم بالبلطجة والعمالة والسؤال القذر المتكرر: مين اللي في محمد محمود؟ وبدم أبرد تسابق الكثير من الإسلاميين والمسيحيين والوفديين واليساريين والناصريين ... تسابقوا مطأطئين رؤوسهم في حضرة راعيهم الأعلى في مجلسه العسكري، استمر الجميع – إلا من رحم ربي – في الانكفاء طمعا في حصد غنائم الثورة وغنائم الاستفتاء وغنائم الانتخابات ولا سبيل لذلك إلا أن يكونوا غنما يساقون بطاعة، وأن يحولوا الملايين من المصريين لغنم يساقون بجهل وفرح وتهليل بل يساقون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أتفهم مشاركة البسطاء رعبا من وهم اقتطاع مبلغ من معاشهم لا يمكنهم تعويضه كالخمسمائة جنيه، وأتفهم مشاركة البعض لإبطال أصواتهم وكتابة “المجد للشهداء” أو “يسقط العسكر” على ورقة التصويت، كما أتفهم أن يشارك البعض بالتصويت للكتلة ضد انتهازية الإخوان والسلفيين والوفديين الجدد، مثلما كان البعض يصوت للإخوان والوفد فيما سبق ضد فساد وهيمنة الحزب الواطئ، وأخيرا أتفهم بالطبع من شارك في الانتخابات لدعم “الثورة مستمرة” ظنا منه أن هذا دعما للثورة. وبفرض جدوى هذه المشاركات فللأسف ساهم الآلاف في مشهد الأغنام والغنائم دون أن تكون جدوى مساهماتهم تتناسب مع قدر استخدامها واستخدامهم لإسباغ شرعية وهمية كاذبة على مشهد رخيص خائن للشهداء وللثورة. التحيات لكل ممتنع متمنع ومترفع عن كل غنيمة وكل غنم، الثورة لا تزال في الشارع، والنظام لم يسقط بعد، وانتخابات يديرها القتلة لا يمكن أبدا إلا أن تكون مزورة، ولا يعقل عاقل أن تنتج برلمانا للثورة؛ بل هو برلمان النظام نفسه الذي تسعى الثورة لإسقاطه. 03/12/2011