يطيب لى فى البداية إستعارة عنوان قديم كنت قد كتبته على "صحف الحائط " فى مطلع السبعينات، فى مدخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إبان فترة نشاطى فى صفوف الحركة الطلابية الوطنية المصرية، وهنا أدمجه بعنوان أخر من ذات الفترة "على من نطلق الرصاص؟" فى إشارة لمن نريد حسابهم والقصاص منهم، طبعاً بالقانون والقضاء العادل والناجز. وأعتقد إنهم كثيرون. بيد أن المجال هنا لا يتسع لذكرهم على سبيل الحصر. فى مقدمة هؤلاء: أسرة الرئيس المخلوع مبارك، وحاشيته، ورجال حكمه، والتى تقدر بالمليارات ولم تسترد، بفعل فاعل، حتى الأن، وكل الذين شاركوا، وساهموا فى عدم تقديم الآدلة والقرائن الدامغة للإدانة مما دفع القضاء فى إصدار الكثير من أحكام البراءة معهم، فيما عرف بدافع "السخرية": "بمهرجان البراءة للجميع"!!، رغم مبادرة بعض الدول بإعلان إستعدادها للمساعدة لعودة أموال الشعب المصرى إذا ما أدينوا بنهب هذه الثروات. كذلك كل الذين نهبوا فى فترات سابقة، وفى عهد حكومات متعاقبة، أراض شاسعة، تقدر قيمتها بمليارات الجنيهات ، بأسعار بخس لا تعكس قيمتها الحقيقية، وفى غياب القانون، وتفشى كل صنوف الفساد بضراوة حتى بات "صناعة". وللأسف لم يتحرك أحد ممن بيدهم الأمر ، حتى كتابة هذه السطور، فى الوقت الذى لا يجد فيه المصرى الغلبان مائة متر فى شقة يعيش فيها. إن التواطؤ بهذا الخصوص، وعدم القيام بإجراءات فورية وحاسمة لاسترداد هذه الأراضى المنهوبة، أو إعادة تسعيرها يحرم الدولة من مورد ضخم لو ضخ فى الخزانة العامة لتحسن وضعها، ومكنها من تدبير موارد لازمة لكثير من مشروعات تصب فى صالح الاقتصاد والغالبية الكبرى من الفقراء والمهمشين. وبالمثل ، لم تتحرك أجهزة الدولة المعنية لجباية الضرائب المستحقة على كبار رجال الأعمال الذين تعمدوا التهرب من دفع هذه الضرائب وتقدر بمليارات الجنيهات عبر سنوات طويلة، ويتباهون اليوم بالتبرع لصالح مصر ببضعة مليارات!! وأجدنى أقول مع غيرى: لا نريد تبرعكم.. ادفعوا قبل ذلك ما تهربتم منه!! بما يفيد البلاد ويحل الكثير مما تعانى منه. وللأسف مرة أخرى، وفى الوقت الذى تنشط فيه الحكومة الحالية فى زيادة أسعار الكهرباء والغاز والوقود والمياه وغيرها من ضرورات الحياة على الفقراء ومحدودى الدخل، لا تحرك ساكناً تجاه هؤلاء المتهربين وهم الأولى بالمتابعة والملاحقة ، والذين لن يؤثر فيهم سداد ما عليهم لصالح الدولة فهم أصحاب المليارات !!! ولكن الجهات المعنية تؤكد فى كل قراراتها مدى إنحيازها لغير الفقراء وهم أغلبية الشعب الذى يعيش أكثر من 30% من سكانه تحت خط الفقر. وفى السياق ذاته، أشعر بالخزى والعار من تلك الأصوات الزاعقة، عبر وسائط الإعلام، سواء الحكومى أو الخاص، وللأسف أيضاً تحمل الجنسية المصرية، من المطبعين مع العدو الصهيونى، والمناصرين له، والذين هم فى الحقيقة يمثلون طابوراً خامساً ، ولم ينورعوا عن الجهر برفع "القبعة" لجنود الاحتلال على ما اقترفوه من جرائم حرب ضد شعبنا العربى فى فلسطينالمحتلة، خاصة ضد أطفال أبرياء وكبار السن والنساء ،ودعوة البعض الى طرد الفلسطينيين من مصر، والتنصل من كل قيم وروابط العروبة والقومية، ومن قبلها من أدنى مشاعر الإنسانية. ومما له صلة، أشارك الكثيرين الشعور بالنقمة على كل هؤلاء الذين يتعمدون انتهاك آدمية الإنسان المصرى وكرامته ، خاصة فى بعض أقسام الشرطة، والتى تحولت فعلاً إلى "سلخانات" يتعرض من تسوقه أقداره، وحتى لو كان مذنباً، إلى أبشع صنوف التعذيب، حتى أن البعض منهم لقى مصرعه تحت وطأة التعذيب، ضاربين بعرض الحائط لكل النصوص الدستورية، وكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والموقعة عليها مصر، والتى تعد بالتالى جزءاً من القانون الداخلى، وهذا السلوك المشين يطرح مجدداً أهمية تطهير جهاز الشرطة وإعادة هيكلته، بل وتطويره وتحديثه ، وكل الجهات المعنية المتعاونة معه، بما يكفل إحترام آدمية الإنسان ويصون كرامته، وبما يمكن هذه الجهات من حسن أداء وظيفتها فى ظل سيادة القانون وإعلاء شأنه. والقول الخاتم، إن من يستحقون أن "نطلق عليهم الرصاص" كثيرون، والكافة يعرفونهم، بل عانوا منهم، بل إن الأجهزة الرقابية والمتابعة ترصد الكثير عنهم فى تقارير دورية موثقة، لا تتوافر إرادة سياسية جادة لتفعيل وتنفيذ هذه التقارير وتقديم من تثبت إدانتهم للمحاكمة الفورية والناجزة، حتى تتحقق أهم أهداف الثورة فى تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية، خاصة العدالة فى توزيع الثروة حتى يأتى اليوم الذى يصبح الشعب ورموزه الوطنية فى السلطة ليتجسد حلم عدالة توزيع السلطة والثروة، وهو اليوم الذى يناضل من أجله كل الشرفاء فى هذا الوطن، وحتماً هذا اليوم ليس ببعيد، حتى وإن طال السفر.