لا أستطيع تحديد المرة الأولى التى التقطت فيها أذنى صوتا إذاعيا، خاصة وأننى ولدت فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى حيث كان جهاز التليفزيون قد اتخذ مكانا ثابتا ومهما فى معظم بيوت المصريين، لكننى أتذكر التفاف الجميع حول المذياع لمتابعة مسلسل الخامسة والربع على موجات البرنامج العام ومسلسل السادسة والربع على الشرق الأوسط وغيرها من المواد التى جعلتنى أرتبط بالدراما الإذاعية كمستمع ومحب منذ كنت فى سن الطفولة، ولقد ساعدنى على ذلك حب والدتى للإذاعة ومتابعتها لكل برامجها، ولقد كانت رحمها الله تمتلك صوتا عذبا جميلا وكانت تسمعنا أغنيات وردة وفايزة ونجاة وهى تروح وتجيء فى دارنا تسعى على شئوننا وتهتم بأمر أسرتها التى أفنت حياتها فى سبيلها وظلت هكذا حتى رحلت وهى فى الثانية والخمسين من عمرها، وكان للإذاعة حضورها الطاغى خاصة فى شهر رمضان من كل عام . تشرك الدراما الإذاعية المستمع فى العملية الإبداعية، مما يجعله يقوم بإبداع موازى، فالجميع يستمعون لنفس المادة التى تبث لكن يختلف تلقى كل فرد عن الآخر وتختلف الطريقة التى يترجم بها خياله ما يستمع اليه ،على عكس التليفزيون حيث يكون المشاهد متلقى فقط ومستقبلا لما يبث إليه مما يجعل قدرته على الخيال تقوض، ولقد لعبت الدراما الإذاعية دورا كبيرا على مستوى الترفيه والتثقيف والتوعية منذ بدأ الإنتاج الدرامى الإذاعى فى مصر فى منتصف أربعينيات القرن العشرين ، على يد مجموعة من المبدعين منهم أحمد كامل مرسى والسيد بدير ثم نضج هذا الفن ورسخت ملامحه وأصبح له فرسانه الذين تركوا بصماتهم على الأثير ومنهم يوسف الحطاب ومحمد محمود شعبان الذى اشتهر باسم "بابا شارو " وهو صاحب تجربة إذاعية مهمة لعل أبرز محطاتها حلقات "ألف ليلة وليلة " التى كانت تذاع خلال شهر رمضان والتى كتبها طاهر أبو فاشا، وهو كاتب وشاعر كبير لم تحظ تجربته بالتناول النقدى الحقيقى حتى اليوم ،وشارك فى التمثيل فى هذه التجربة كبار فنانينا وعلى رأسهم الفنانة الراحلة " زوزو نبيل " التى كانت تجسد شخصية " شهرزاد " والتى كانت تمتلك صوتا إذاعيا لا مثيل له ومازلنا نذكرها جميعا فى دور شهرزاد ، ولقد كانت حلقات " ألف ليلة وليلة " نبعا لا ينضب من الخيال والمتعة والفن ، ومن المدهش أنها تحظى بذات القبول حتى اليوم ، ومن المحير أننا وقد بلغنا هذه الدرجة من التقدم التقنى واستطاعت الأجهزة الحديثة أن تحسن من تكنيك العمل الإذاعي إلا أننا لم نجد تجربة قوية مثل "ألف ليلة وليلة " تنتج الآن، ومن واقع تجربتى فى كتابة الدراما الإذاعية، أقر بأن القيادات المرتعشة والغير واعية قد خنقت إنتاج الدراما الإذاعية، وكذلك الافتقار للكوادر الفنية مثل المخرجين ومهندسى الصوت وغيرهم، ولا يمكن النهوض بالإنتاج الدرامى الإذاعي –والأداء الإذاعي عامة – إلا حين يدرك من يديرون هذا الجهاز أهميته ودوره فى تثقيف الجماهير وتوعيتهم وبث وجبات ترفيهيه محترمه لهم .. رمضان كريم.