أعلن الناطق الرسمي بأسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أبو محمد العدناني في تسجيل صوتي عنون ب"هذا وعد الله" بث عبر حسابات الكترونية تابعة للتنظيم عبر الشبكات الاجتماعية، عن قيام "الخلافة الإسلامية" وتنصيب أبو بكر البغدادي "أول خليفة للمسلمين"، ووجوب مبايعته من كل مسلمي العالم، وأن من يتخلف عن البيعة "مارق وجب قتله"وعدم حد الدولة الإسلامية بحدود الشام والعراق، ليصبح المسمى الرسمي للتنظيم "الدولة الإسلامية". هذا الحدث له انعكاسات كبيرة على مسار الأحداث ليس في العراق فحسب، بل يتجاوز الحدود ليكون شأن جميع التيارات التي تنادي منذ زمن بالخلافة كهدف استراتيجي، وهو ما يعني أنه أجلاً أم عاجلاً سيكون هناك صراع بين التنظيمات الجهادية يتمحور حول شرعية مبايعة البغدادي كخليفة للمسلمين، الذي يمتلك مقومات ذاتيه بصفته عربي قرشي –وهو ما احتج به العدناني في تسجيل مسبق موجه للظواهري- ومقومات موضوعية تتمثل في كونه الرمز الجهادي الذي استطاع جعل حلم الخلافة واقعاً، وانتصارات تنظيمه على مدى السنوات الأخيرة التي كللت –من وجهة نظرهم- بفتح شمال وغرب الجزيرة الفراتية في العراقوسوريا، ويعني أيضاً أن الخليفة الجديد سيقوم بتعيين وتسمية ولاته في البلدان العربية في خلال الفترة القادمة. كيف نجح البغدادي في إعلان الخلافة؟ أعتبر الكثير من المحللين والساسة أن "داعش" سابقاً "الدولة الإسلامية" حالياً مجرد ظاهرة جهادية مثل "حركة الشباب المجاهدين" بالصومال، أو "بوكو حرام" بنيجيريا، تطرفها بالغ وغير مسبوق ولكن تأثيرها محدود وليس لها أفق سياسي أو مقومات تنظيمية حقيقية تمكنهم بالاستيلاء على قطعة من اراضي الدول التي يتواجدوا بها ويعلونها أمارة إسلامية..لكن "الدولة الإسلامية" نجحت في إنفاذ وعدها القاطع خلال شهور وفي موعد ضرب سلفاً، بإعلان "الخلافة الإسلامية" وسط بيئة عدائية ظاهرياً، عكست نجاح التنظيم سياسياً في أن يستفاد من الدعم المقدم له شريطة لتنفيذ أجندة سياسية لجهة معينة -اجندة السعودية على سبيل المثال في سوريا- وأن يوظف هذا الدعم في تنفيذ أجندته الخاصة، وهو ما يعني أن البغدادي ليس مهووس بالسلطة على نحو درامي كما صور الإعلام مؤخراً، ولكنه يمتلك رؤية استراتيجية يسعى لتنفيذها عبر تكتيكات تقاطع المصالح ليكون في مرحلة ما أقدر وأقوى من أن يظل مجرد أداة في يد أطراف معينة، أي يكون عامل رئيسي في رسم متغيرات المنطقة وربما العالم! فعقب ساعات من إعلان العدناني قيام الخلافة الإسلامية وتنصيب إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري الحسيني القرشي المعروف ب "أبو بكر البغدادي" خليفة للمسلمين، انتشر التأييد والتهليل في اوساط جمهور الجهاديين ومن يؤيدهم من جمهور حركات الإسلام السياسي، على اختلاف جنسياتهم ومشاربهم الفكرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فللمرة الأولى منذ انكفاء الحركة الجهادية منذ مطلع الالفين والهزائم المتتالية التي لاحقتهم بعدها، ومجيء "الربيع العربي" الذي أتى بالمعتدلين من الإسلاميين لسدة الحكم وهو ما ضرب أصل نظرية الجهاد التي تعتمد على العنف في الوصول للحكم، بات الأمل أضعف في حلم الخلافة، لكن لظروف الصراع في سوريا وبغرض حسم المعركة مبكرا، أضحت هناك موائمات وتفاهمات بين دول اقليمية (السعودية وقطر) والحركات الجهادية، ناهيك عن غض طرف من الغرب وأميركا، -الذي فاقوا مؤخراً وشرعوا في إجراءات حمائية ضد ذهاب مواطنيهم إلى "الجهاد" أو عودة الذي ذهبوا- ساهمت في إنعاش الجهاديين مرة أخرى وبغطاء سياسي وإعلامي ودعم مالي مباشر، ولكن لم يتوقع أحد حتى شهور قريبة مضت أن "الدولة الإسلامية" ورجالها عازمين بجدية في إعلانهم الخلافة وأنهم سيخرجون عن المرسوم لهم، وسيشرعون بتنفيذ استراتيجيتهم الخاصة الغير معروف إلى أي مدى سوف تتمدد. تأثير إعلان الخلافة على الخارطة الجهادية الثورة على "القاعدة" وقائدها "أيمن الظواهري" كانت الطفرة الأشد جراءة في مسيرة الحركات الجهادية المتطرفة، فتوقع البعض أن تصبح "الدولة الاسلامية" ومسلكها المتطرف والدموي قبلة الجهاديين الذي ملّوا من جمود "الظواهري" ومهادنته لحركات الإسلام السياسي بعد "الربيع العربي". وحتى جمهور الإسلام السياسي المعتدل أصبح القطاع الأوسع مؤيدا لطفرات "داعش" المتوالية، خاصة بعد ان أصابهم اليأس والإحباط بأن الوصول والاستمرار في الحكم عن طريق صناديق الانتخابات ماهو إلا رهان خاسر، وتبقى منطقيا وواقعيا أن من الأكثر جذرية هو الذي استطاع تحقيق الحلم. المميز بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية" منذ إعلانه وهو استمرار في كسر سقف المطلوب منها والمسموح له بل والمتوقع. فمن سوريا إلى العراق الأن بدا ولو أن "داعش" على وجه التحديد ينتهج التصعيد السياسي والمزايدة على بني جلدته أولا وحاضنته المرجعية والفكرية الأولى "القاعدة" فالصراع بين "النُصرة" و "داعش" في سوريا سرعان ما تحول إلى صراع أنداد بين الأخير و"القاعدة"..فالأحداث الأخيرة في العراق عززت مكانة "داعش" لدى الجهاديين عالمياً من اندونيسيا إلى نيجيريا، فوعد الخلافة صار على مرمى البصر، وإعلانه في رمضان كما قُرر مسبقا، واليوم الجميع أمام أمر واقع تغييره لن يكون أقل صعوبة مما حدث بعد 2001 –إن لم يكن سيفوقه- سواء بالاحتواء والتدجين أو بالقوة والعنف. دعا العدناني في تسجيله الصوتي الأخير كافة التنظيمات والفصائل الجهادية في العالم إلى مبايعة "الخليفة إبراهيم" وكذلك وجوبية مبايعة المسلمين له فقال:" ننبه المسلمين أنه بإعلان الخلافة صار واجبا على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة حفظه الله وتبطل شرعية جميع الولايات والإمارات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه ويصل إليها جنده…رسالة إلى الفصائل والجماعات على وجه الأرض كافة المجاهدين والعاملين لنصرة دين الله والرافعين الشعارات الإسلامية فإلى القادة والأمراء نقول اتقوا الله في أنفسكم اتقوا الله في جهادكم ولا نجد لكم عذرا شرعيا في عدم نصرة هذه الدولة، ظهر الحق وإنها دولة الإسلام وآن لكم أن تنهوا هذا التشرذم المقيت وإن خالفتموها فلن تضروها"، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما ستؤول إليه الاحداث مستقبلاً على خارطة التنظيمات الجهادية التي تنتمي فكرياً وتنظيمياً إلى "القاعدة"، فمن لبنان إلى موريتانيا مازال معظمهم بين "الدولة الإسلامية" و "القاعدة"، وهو الحال نفسه جنوب وغرب سهل السند وباكستان، أو ما يطلق عليه جهادياً ب"ولاية خراسان" فشهدت الفترة الماضية مبايعة بعض أمراء الجهاد في هذه المناطق للبغدادي، وأول أمس في تسجيل صوتي جمع العدناني وأبو عمر الشيشاني القائد البارز في تنظيم "الدولة الإسلامية"، دعا في الأخير مجاهدي العالم لمبايعة ونصرة خطوات البغدادي نحو الخلافة قائلا" أوجه كلامي للمجاهدين الآخرين في خرسان والقوقاز واليمن والصومال ومالي وليبيا واندونيسيا وبورما وكينيا وفي كل مكان، يا إخواني عندما تسمعوا عن انتصاراتنا افرحوا لوجه الله لأن إخوانكم انتصروا وازدادوا اقترابا من شرع الله ومن الخلافة." في السياق ذاته، استخدمت "الدولة الإسلامية" منذ شهور حجج ودلائل تنوعت ببن الشرعية والعصبية في بيان وجوب مبايعة البغدادي، فلأول مرة في بيانات "الدولة الإسلامية" يعلن وبشكل علني الأسم الكامل "للخليفة الأول"، وليس لقبه فقط، وللمرة الثانية يشدد العدناني على أحقية البغدادي بالخلافة لأنه عربي قرشي، وهو يطعن بذلك للمرة الثانية في أحقية الظواهري أو غيره بالخلافة، كذلك استناداً إلى فتاوى منظري تيار السلفية الجهادية الذي أيد بعضهم البغدادي مسبقاً وعددوا الأدلة الشرعية على مبايعته، وهو ما خلق سجال بين منظري هذا التيار حول هذه النقطة، وهو ما يمكن أن يتطور لصدام على الأرض بين التنظيمات الجهادية، ليس فقط في سورياوالعراق، بل في آسيا الوسطى، حيث تنقسم التنظيمات هناك بين ألتزام صف "القاعدة" وبين مبايعة البغدادي، فمثلا امارة "القوقاز" أعلنت وقوفها بجانب القاعدة، وحرمت على مقاتليها في سوريا القتال تحت راية البغدادي، وأن يلزموا صف أبو محمد الجولاني زعيم النُصرة. إعلان الخلافة بلا شك علامة فارقة في مسار حركة الجهاد العالمية، قد تكون انطلاقة جديدة نحو تدعيم الخلافة كأمر واقع، وهو ما يعني قفزة إلى الوراء بمئات السنيين نحو المجهول، أو تكون مجرد ومضة خاطفة تتكاتف ضدها كل الأطراف التي ستتضرر من هذه الخطوة لإنهائها..لكن المؤكد ان كلا الاحتمالين سيكون ثمنهما دماء الآلاف من الأطراف المتشابكة كافة.