سألني مذيع قناة "الميادين"، في مقابلة قبل يومين: (لماذا تختار حمدين صباحي في انتخابات الرئاسة؟.. ولماذا تفضله على منافسه المشير السيسي.. من أية ناحية تجد الفارق الأساسي بينهما؟). كانت الحلقة عن مواقف المثقفين في مصر لكلا المرشحين، ولماذا انقسمت، وقد سألوني كمؤيد "لحمدين"، وسألوا الروائي المعروف يوسف القعيد كمؤيد "للسيسي". فقلت على الفور: (لو أردنا الاختصار قبل أي تفصيل.. لقلت أن الفارق الأساسي بينهما هو الفارق بين "الثوري" و"الإصلاحي".. أن حمدين جذري ثوري.. بينما السيسي إصلاحي ورؤيته محافظة). وأضفت: (إن كل منهما مصري وطني حتى النخاع.. لكن حمدين فضلاً عن عروبيته كمناضل منتم للنهج الناصري، هو وطني ثوري لديه إرادة سياسية هائلة لانجاز تغيير جذري ثوري شامل على كل الأصعدة، أي نهضة كبرى، عازم عليها، ولديه وضوح وصفاء رؤية إلى جانب العزم لتحقيقها.. وهو لديه استعداد لقرارات صعبة مصيرية من أجلها.. حتى لو أدى ذلك إلى تضحيات، وإلى إغضاب فئات اجتماعية مستغلة آن الآوان لإعمال قانون العدل "أساس الملك" إزائها..). أما بالنسبة للسيسي: .. فإنه وطني إصلاحي، أقرب لرؤى المحافظين اجتماعياً وسياسياً.. يتمنى الخير للبلاد بالتأكيد، وحريص على النجاح بدوره، ولديه لمسات اجتماعية في صالح الفقراء وأخرى استراتيجية في صالح التضامن العربي.. لكنه "محافظ" في كل ذاك، وإصلاحي أي من النوع الذي يسعى إلى التطوير وتحسين الأوضاع بحرص وتؤدة، وفي حدود المسكنات والترميم.. فالإصلاحي لا يبني بيتاً جديداً وإنما يرممه، ولا يجري جراحة شاملة حتى وإن كانت ضرورية ولا شفاء للمريض إلا بها.. لكن الأوضاع في مصر لن يصلحها أقل من الحل الثوري، وإلا لما قام الشعب بثورتين تباعاً، للتخلص من أحوال فاسدة بشعة، استمرت لمدى أربعين سنة بالتمام.. فنحن في 2014، وقد كانت السنة الكارثية 1974 هي بداية التدهور والتهادن الاستسلامي باسم السلام، وعودة الاستغلال الرأسمالي ما قبل ثورة عبد الناصر باسم الانفتاح..!. أما ما لم يتح أن أقوله لبرنامج قناة "الميادين"، ويهمني أن أضيفه هنا، وهو يستحق لاحقاً في نظرنا، تفصيلاً أكثر.. فهو أن المقارنة في الحقيقة، بين "حمدين صباحي"، وبين السيسي أو أي شخص وطني آخر في عصرنا، تظلم السيسي وسواه، لأن "حمدين"، بما وهبه الله إياه، وقبل دوره هو نفسه في التعلم والصقل والعمل والكفاح، يعتبر شخصية غير عادية. "حمدين": زعيم شعبي حقيقي، من الطراز الرفيع والحجم المرموق، الذي يهبه خالقه سمات الزعامة والقيادة الطبيعية، والذي يوهب نادراً جداً للشعوب. وأي واحد لديه الحد الأدنى من اللماحية والتنبه، ومن الموضوعية والتجرد، سيكتشف دون جهد، أن "حمدين" هو الوحيد الذي ظهر في مصر خلال الأربعة عقود الماضية، لديه (كاريزما الزعامة الحقيقية وحضورها)، و(مقومات القيادة الطبيعية وعناصرها). وعلى سبيل المثال فإن مصر، في تاريخها الحديث والذي بدأ مع بداية القرن التاسع عشر، شهدت رجال دولة مقتدرين مثل محمد علي وإسماعيل، وأبطالاً عسكريين مثل إبراهيم باشا وأحمد عبد العزيز وعبد المنعم رياض وسعد الدين الشاذلي وإبراهيم الرفاعي، وشخصيات وطنية رفيعة المقام وعظيمة القدرات مثل مصطفى النحاس ومكرم عبيد وعزيز المصري وفتحي رضوان… لكن مصر لم تشهد خلال هذا التاريخ، الذي جاوز القرنين، إلا سبعة زعماء فقط، ممن وهبوا كاريزما وحضور ومواهب الزعيم، وقدرات وسمات وقسمات القيادة الطبيعية… هم على التوالي: (عمر مكرم. أحمد عرابي. مصطفى كامل. محمد فريد. سعد زغلول. جمال عبد الناصر. حمدين صباحي). هكذا شاء الله. ليست هذه الأوصاف، منة من أحد، ولا مجرد محبة لأحد!… هي الحقائق وحدها.. والتي تحتاج إلى مزيدمن الاستطراد، والتفصيل: زعماء مصر في تاريخها الحديث سبعة.. أعظمهم جمال عبد الناصر بلا منازع، ولا يثبت للمقارنة معه أحد.. أما حمدين صباحي فهو أحدهم، وأحدثهم.. من غير أن يخالجنا في ذلك شك أو تردد على الإطلاق.