لحظات فارقة تلك التي يمر بها المجتمع المصري الأن ,ليس فقط لتغير الظرف السياسي الراهن ولكن بقدر التغير في التركيبة الاجتماعية والنفسية والسلوكية لدى المواطن المصري ,فمنذ انطلاق ثورة يناير والمجتمع المصري يموج بتغيرات عديدة ,كانت اللحظات الأولى كاشفة للجميع على رأسها النخبة المثقفة أو هكذا يسمونها ,حيث انقسمت هذه النخبة على نفسها فمنهم من وقف إلى جوار الثورة داعماً ومدافعاً,ومنهم من تنكر لجيل بأكمله لاهثاً وراء أحلامه وأطماعه فيما يتم الترتيب الأن من قبل البعض للعودة بقوة على الساحة السياسية,تصريحات ومواقف هؤلاء يومياً كانت كافية لعملية الفرز ,التي يبدو أن لها اشكالاً مختلفة أيضاً ما كنا لنتعرف عليها لولا الأختين (يناير ويونيو). سباق المنافسة في الانتخابات الرئاسية أوضح الكثير من أسلوب وطريقة تفكير الغالبية العظمى فالبعض من المؤيدين والمعارضين يصرون على التعامل مع هذا الحدث باعتباره مباراه بين فريقي الأهلي والزمالك في حين يعتبره البعض الأخر معركة كل شئ فيها مباح والمدهش أن هذه الغالبية إلا من رحم ربي المعول عليها في حسم السباق لايهتم كل منهم بمرشحه فيتابع تصريحاته وأفكاره من واقع البرنامج الانتخابي الذي يوضح الانتماءات السياسية والانحيازات الوطنية في الوقت الذي ينبغي متابعة الأخر بموضوعية ودون اتخاذ مواقف سلبية مسبقة تتيح للجميع المقارنة والتقييم بحيث يعلو الوطن على كل قيمة دون منازع فيتم الاختيار بأريحية وقناعة تامة لنصل بمصر لبر السلامة لا الندامة. إن مصر تشهد تحولاً جذرياً لايحتمل هذا التراشق بين المؤيدين والمعارضين وتبادل الاتهامات والسباب بألفاظ نابية تصل في كثير من الأحيان لخدش الحياء على مواقع التواصل الاجتماعي والملصقات والحوارات المفتوحة ,بل وصل التطاول ليس فقط على شخص المرشح وإن كان هذا منافياً لكل الأعراف والتقاليد المصرية والإسلامية بل تجاوز الحد لوصف المؤيدين لهذا المرشح أو ذاك بألفاظ نخجل من قراءتها ونندهش من جرأة أصحابها ,فإذا كنا لانستطيع فهم أبسط قواعد الاختيار في اللحظات المصيرية الحرجة ,وإذا كنا لانهتم بفهم طبيعة وشخصية من سنختاره بالفعل منصرفين بكل جوارحنا للمنافس الأخر فنكيل الاتهامات ونلفق التصريحات ونشكك في تاريخه ونزاهته دون النظر للصوت الأمانة الذي سنحاسب عليه أمام الله وأمام المجتمع فكيف نثق في أننا قادرون على الاختيار ذاته ولن نقع فيما وقعنا فيه قبل عام مضى . ما يحدث في مصر الأن (حرث أرض) إذا جاز لنا التعبير ,هو انعكاس حقيقي لفساد امتدت جذوره على مدى أكثر من ربع قرن ,ليس فقط على مستوى الذمم وبيع الأوطان ولكن لتغلغله في تركيبة السلوك والأخلاق تلك المنظومة التي تستتبع اهتماماً خاصاً من قبل الرئيس القادم يتساوى إن لم يتجاوز الاهتمام بالبناء الاقتصادي ,لقد أخرجت الأرض المصرية ومازالت تخرج من باطنها بقايا نظام فاسد تفوح روائحه العفنة تحاول النيل من نبل الشهداء وطهر المخلصين ومن ثم يتوجب علينا أن نعمل جاهدين من أجل تطهير هذه الأرض التي أنجبت أعظم ثورة وأحدثت نقلة نوعية في الإرتفاع بمستوى الوعى السياسي لدى المصريين ونأمل أن تحقق الارتقاء الحضاري في التعاطي مع مفردات التحول الديموقراطي الذي نسعى إليه منذ عقود الظلام. نحن في أمس الحاجة لتوجيه مشاعر الجماهير نحو معاني الوطنية واستدعاء قيم النضال والكفاح وتوحيد الضمير الجمعي وتقديم قيم العمل وبذل الجهد ببث البرامج والأفلام الوثائقية التى كانت تستعلى على كل الصعوبات والمعوقات التي استهدفت كسر إرادة المصريين اننا نحتاج لتضافر كافة مؤسسات الدولة في مقدمتها الإعلام الذي مازالت بعض قنواتة تشعل فتيل الفتنة بين أبناء الشعب فتخصص ساعات هواء كاملة لطرح أفكار مريضة عما إذا كانت يناير ثورة أم مؤامرة !! وأن الثورة الحقيقية هى 30 يونيو في مغازلة صريحة للمؤسسة العسكرية هؤلاء يأكلون على كل الموائد ومن ثم ينبغي إزاحتهم كإجراء حتمي من قبل الرئيس القادم مما يعد مكتسباً من مكتسبات الثورة .لقد بدأ العد التنازلي للإنتخابات الرئاسية ونحن نرقب بصبر بالغ مستقبل جديد حين تصل الثورة لسدة الحكم يحدونا الأمل في مرشحين بارزين مشهود لهما بالنبل غير مشكوك في وطنيتهما أو إسهاماتهما في تحرير الوطن من التبعية والعبودية فضلاً عن الانحياز الكامل للفقراء والبسطاء الذين يشكلون السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب وبأيهما نأمل أن ترسوا السفينة لبر الأمان فالأشخاص إلى زوال لكن مصر باقية بأخلاق شعبها. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.