طالت أعمال العنف والشغب التي أوجدتها عناصر الإخوان في الوطن عامة وبمحافظة المنيا علي وجه الخصوص، تاريخ مصر بالحرق والسرقة والدمار، ويقف مبني متحف ملويبالمنيا شاهدا على ذلك، حيث يكشف هذا التحقيق عملية اقتحام وسرقة المتحف بعد اندساس البلطجية وسط تظاهرات الإخوان التي اندلعت يوم 14 أغسطس وتخللها إطلاق أعيرة نارية في اشتباكات أعضاء الجماعة والأمن، مما سهل مهمة تفريغ جميع المقتنيات الأثرية الخاصة بالمتحف من قبل البلطجية. ويعتبر المتحف الذي أنشئ عام 1963م، وتبلغ مساحته حوالي 600 متر مربع، الوحيد بمنطقة الصعيد وأكبر المتاحف الإقليمية في مصر، وهو عبارة عن 4 قاعات لعرض مقتنيات الآثار، مقسمة علي طابقين وموضوعة وسط فاترينات زجاجية على جدران محترقة، وقد تحطمت أبوابه وبعض الجدران من الداخل والخارج وتكسر زجاجه، وتم نقل مقتنياته المتبقية لمخازن الوزارة بالمنيا. وفي طريقها للتوصل لحقيقة ليلة سقوط المتحف، التقت "البديل" خلال جولة بمدينة ملويبالمنيا، الجهات الأمنية ورواد المتحف وعددا من أهالي المركز المقيمين بجوار المتحف، وحصلت علي مقاطع مصورة ومرئية نادرة بواسطة الأهالي والأمن، كما أخذت شهادات الجميع للوقوف علي آلية وتفاصيل يوم سرقة تاريخ مصر. كانت البداية من داخل متحف ملوي وقد بدى خاويا علي عروشه مدون علي جدرانه الخارجية "نعم لمرسي" و " لا للسيسي"، ووسط الجدران المحترقة والأساس المهشم يجلس الموظفون علي مقاعد بلاستيكية في حلقة أمام مكتب مدير المتحف، بينما كانت صالات العرض والمخزن خالية تحوي فقط صناديق العرض المهشمة.. قال مجدي تهامي المسئول الإداري لمتحف ملوي: استيقظنا علي خبر فض اعتصام "رابعة العدوية" ولم نكن نعرف مسبقا بالحدث وعقب توجهنا في الثامنة من صباح الأربعاء 14 أغسطس 2013 وهو يوم اقتحام المتحف فوجئنا بحشود تملأ الشوارع بمدينة ملوي وأمام المتحف، اتصلنا بعدها بأحمد ثروت رئيس قطاع المتاحف وأبلغنا بتوتر الأجواء وطالبنا بغلق المتحف والاحتشاد أمامه لحمايته. أكمل "تهامي" : في تمام الثانية عشر ظهرا من اليوم ذاته تم كسر السور الحديدي في جنينة المتحف من قبل أعداد غفيرة كانت قد تزايدت في الشارع أمامه، بعدها تسلل البعض للداخل ولم نتمكن من التصدي لهم، وبدأ إطلاق الأعيرة النارية في تمام الواحدة ظهرا، ما أدي لإصابة أحمد عبد الصبور عبد الجابر المدير وفردي أمن من شرطة السياحة والآثار بطلقات نارية، ومع تزايد ضرب النار هرولنا وأفراد الأمن للشوارع الجانبية ناجين بأنفسنا وسط النيران، وتم اقتحام المتحف بالكامل في تمام الرابعة عصرا، ولم نتمكن من الوصول للمبني، بسبب الأعيرة النارية الكثيفة بالشوارع المحيطة به وأمامه وأبلغنا بعدها شرطة السياحة والآثار والمدير. وتابع: استمر إطلاق الأعيرة النارية طوال الليل, إلي أن أخذت الأوضاع في الهدوء النسبي مع بداية اليوم التالي – الخميس 15 أغسطس – واتصل بنا رئيس قطاع المتاحف وكلفنا بمحاولة الوصول للمتحف لاستطلاع الأمر، وفوجئنا بأن المتحف مدمر دمارا شاملا من تكسير وحرق وسرقة، وأثناء رصد ما تمت سرقته وتخريبه فوجئنا بسيل من الرصاص من جميع الاتجاهات قتل علي أثرها الزميل سامح أحمد عبد اللطيف مسئول التذاكر، وبعد محاولات مستميتة تمكنا من الهرب وأبلغنا رئيس القطاع وشرطة الآثار، كما لم نتمكن من التوصل لأي جهة أمنية بمركز ملوي، فوقتها كان مجرد الظهور في الشوارع المحيطة بمتحف ملوي انتحارا. استطرد "تهامي": وعقب توجهنا لمستشفي ملوي العام مرافقين الزميل المتوفي "سامح"، استطعنا التواصل مع نقطة شرطة قرية "الحاج قنديل" بديرمواس، وهناك حررنا محضرا بالأحداث وأبلغنا رئيس القطاع بأننا لن نذهب إلي دائرة المتحف، وحصر التلفيات قبل توفير قوة أمنية مسبقا، وعقب توفير الحماية التأمينية يوم الأحد 18 أغسطس تواجدنا منذ الصباح وقمنا بحصر التلفيات. وعن تلفيات المتحف أفاد "تهامي" بأنه تم حرق المبني الإداري للمتحف حرقا شاملا، ما أدي لتفحمه وكذا حرق "كشك التذاكر" وحرق المخزن الإداري، وسرقة جميع العهدة المالية والإدارية والمحتويات الأثرية الخاصة به، عدا 46 قطعة لكونها ثقيلة الوزن وكبيرة الحجم غير أنه تم تكسيرها وكاميرات المراقبة داخل المبني كله، فبالتالي قمنا بتجميع أجزائها ونقلها لمخازن "الأشمونين" بملوي، ثم ألحقنا بها جميع القطع التي عثرت قوات الأمن عليها بعد ذلك. ويقول "تهامي" إنه "البلاط" فقط هو ما تم تركه، حيث سرق الجناة الأرشيف الإداري الذي يجمع ملفات الموظفين ومعلومات أثرية وإدارية عن المتحف، وكذا المستندات المالية الخاصة بالتوريد والأصول المخزنية والمتحفية والعهدة من أساس وخلافه، حتى أن الحاسب الآلي تمت سرقته. وقال أحمد عبد الصبور عبد الجابر مدير المتحف، إن المتحف يضم عدد 78 موظفا منهم 60 مثبتين و18 آخرين قيد التعاقد، وجميعهم يجلسون علي مقاعد قاموا بشرائها بعد تحطيم المبني كاملا وحرقه وسرقته، وأكد أن جميع الموظفين لم يتمكنوا من البقاء في المتحف ليلة اقتحامه أو حتى بعدها بأيام، وأن تأمين المتحف كان عن طريق دوائر تليفزيونية مغلقة لمراقبة صالات العرض والطرق أمام المبني، وجميعها تم تدميرها، وأن ما يؤكد تنظيم ومنهجية عملية الاقتحام، أنه بعد تحطيم كاميرات المراقبة تم تحطيم جهاز وحدة التسجيل الرقمي .dvr من جهته وجهنا العميد هشام نصر رئيس البحث الجنائي بالمحافظة إلي قسم شرطة ملوي، وهناك أكد مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه، أن عملية الاقتحام وسرقة المتحف وتدميره كانت منظمة، موضحا أنه في الوقت الذي اعتلت فيه عناصر مجهولة أسطح المنازل لتطلق الأعيرة النارية علي الأمن، الذي رد بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، كانت هناك عناصر أخري أخذت تضرم النيران في إطارات السيارات لتضيِع بذلك مفعول الغازات المسيلة، بينما أخذ البعض المتواجد في الشارع المحيط بالمتحف والقريب من قسم شرطة ملوي علي بعد أمتار قليلة يطلق المولوتوف علي الأمن والمتحف، في الوقت الذي راح البعض يعمل ستارا ناريا لتمكين البلطجية من اقتحام المتحف والتسلل لداخله بهدف حرقه وسرقته، وعناصر أخري من البلطجية اقتصر دورها علي سرقة المتحف وتحميل مقتنياته الأثرية يدويا، وذلك بالاتفاق مع عناصر أرادت بث الرعب وتعطيل خارطة الطريق. يأتي هذا فيما جاءت روايات الأهالي وأصحاب المحال التجارية المحيطة والمواجهة للمتحف لتؤكد أن وقت اقتحام المتحف كان ما بين الساعة الخامسة حتى الثامنة مساء يوم الأربعاء 14 أغسطس، مؤكدة أن هناك عناصر اعتلت المعهد الديني الأزهري خلف المتحف مباشرة وهو مطل علي المتحف وقسم شرطة ملوي وأخذت تطلق الأعيرة النارية بكثافة من بلكونات المعهد المطلة علي قسم الشرطة والمتحف تجاه المكانين، بعدها هرول البلطجية المسلحون إلي التسلل داخل المتحف وتحميل مقتنياته واصطحابها في سيارات و"تروسيكلات" كانت متوقفة في الشارع الجانبي علي يمين المتحف، في حين وقف بعضهم خارج المتحف وأخذوا يطلقون الرصاص عشوائيا في حين أن الشوارع كانت خاوية، وبعد اشتباكهم مع قوات الأمن لساعات قليلة أصيب عدد كبير من هؤلاء البلطجية، وأصيب عدد قليل من أفراد الشرطة، إلا أنهم وفي أقل من ثلاث ساعات تم تفريغ المتحف تماما من مقتنياته. وبحسب روايات الأهالي اختفت عناصر الإخوان وقت سرقة المتحف، حيث أطلق البلطجية النيران تجاه المتظاهرين وقوات الأمن وفر المتظاهرون بعدها في الشوارع الجانبية، ولم يعودوا بعد ذلك للتظاهر في نفس اليوم واليوم الذي تلاه "الخميس 15 أغسطس". الأهالي أكدوا أن قبل اقتحام المتحف بساعات شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة بين الإخوان المتظاهرين وقوات الأمن تخللها إطلاق أعيرة نارية، أدت لإصابة العديد ليس فقط من الجانبين بل ممن لا ناقة لهم ولا جمل، وأن تظاهرات الإخوان بدأت منذ التاسعة صباح الأربعاء وظلوا في محاولات اقتحام قسم الشرطة، كما حدث في بعض مراكز المحافظة حتى الثالثة عصرا، وظهر أصحاب اللحى معتلين سيارات عليها مكبرات صوت تردد هتافات تتهم الحكومة بالعمالة والبلطجة والانقلاب، فيما أشعل بعضهم إطارات السيارات وكذا زجاجات المولوتوف في محال الأقباط والمسلمين. وأضاف صاحب محل الاتصالات المواجه للمتحف، أن مجهولين أحرقوا محل "سان جورج" يمتلكه قبطي وعدد من محال الأقباط والمسلمين، وأخذوا يسرقون أكثر من 30 محلا تجاريا، وأن يوم الخميس التالي لأعمال سرقة المتحف والعنف المسلح، بدأت قوات الأمن تطلق طلقات تحذيرية في الهواء واستمر ذلك لمدة أسبوع كامل. فيما كشفت مقاطع الفيديو التي حصلت عليها "البديل" ظهور عدد من الصبية والبلطجية يتسللون داخل المتحف في وقت اشتعال النيران خارج المبني وتصاعد ألسنة الدخان داخله، فيما أوضحت المشاهد المصورة اشتعال النيران بكثافة داخل المبني وسط ظلام الليل، وتوجه البعض لحرق بعض المحال التجارية والسيارت المتوقفة في شوارع أمام المتحف وفي محيطه. تباينت حصيلة الأعداد المستردة من القطع الأثرية المسروقة من متحف ملوي، فبينما أكد العقيد عبد السميع فرغلي رئيس مباحث شرطة السياحة والآثار ل"البديل" استرداد أكثر من 930 قطعة بنسبة 90% من القطع المسروقة، أكد رواد المتحف أنه تم استرداد عدد 811 قطعة، مفسرين ذلك بأن مباحث الآثار تعتمد أرقامها من خلال عدد أجزاء القطع التي حصلت عليها، وقد يمثل ويكوِن عدد 3 أجزاء قطعة واحدة بالنسبة لإدارة المتحف. من ناحيتها اعتمدت محافظة المنيا مبلغ 3 ملايين جنيه لإعادة ترميم المتحف، وقد أسند مشروع الترميم للقوات المسلحة في حين لم يتم البدء فيه حتى حينه.