هؤلاء الذين يجرون أقدامهم بتثاقل على الأرض الموحلة , تتجمع كتل الطين بين أصابعهم وتحت الأظافر , تزداد كثافتها كلما هموا بالمشي , فيزدادون ثقلا . أكره الحمقى .. لا لأنهم ثقلاء أو متثاقلون , وإنما لأنهم يراقبونني باستخفاف غير مبرر ..يشيرون إلي ساخرين : ابن فرناس يجمع الريش ..يعلق الأجنحة ..هل سيبيض أيضا ؟ والطين ملء الأرض ..تشبعت به الأقدام ..تشربته حتى تسرب للقلوب .. وفي الجنة أقوام قلوبهم كأفئدة الطير ...فلم لا أحاول ؟ أجوب الأعشاش التي هجرتها طيورها , جامعا ما خلفوه من ريشات ..أواسي عصفورا سقطت منه ريشة , أقبل مكان جرحه وأحمل ريشته , واعدا إياها بمزيد من التحليق .. أغافل صقرا وأنتف منه ريشتين , وأساوم حمامة بيضاء على ما لديها . أسهر فوق أوراقي واضعا حسابات غاية في التعقيد , أراقب مئات الطيور راصدا حركة الجناح .. الارتفاع والهبوط .. نسبة الرأس إلى الذيل .. وتتابع الحركات . تتجمع الخطوط الحمراء الدقيقة في عيني ..أشعر بدوار ..لكني لا أتوقف . اكتمل الجناحان , ومازلت أبحث عن وسيلة لتثبيتهما ..لن يكون الطين بكل تأكيد ..أريد شيئا آخر ..شفافا وقويا .. ربما الشمع. مزهوا بريشاتي المختلفة الألوان والأحجام...صاعدا لأعلى نقطة أمكنني الوصول إليها..أعدو بكل طاقتي وأحرك ذراعاي القويتان , فأحلْق. سيقول الحمقى : أحمق ويقول المتعاطفون : إنها الشمس اللعينة ..أرسلت نيرانها فأذابت الشمع . وربما يردد متفلسف كلاما عن الذيل أو طول الجناح .. لكن ما سيظل حقيقيا وتاريخيا للأبد ..أنني حركت جناحاي , وأشعلت حلما , وأن ملايين الطائرات القوية قد شقت السموات على أثري .