كان ذلك منذ خمس سنوات تقريبا ، عندما طالعت إعلان عزاء مدفوع الأجر منشور داخل برواز على مساحة ليست بالقليلة في صفحة الوفيات بجريدة الأهرام يحمل عزاءا رقيقا للسيد هشام أبو غيدة الذي كان وقتها مديرا لفرع جهاز امن الدولة المنحل بمحافظة القاهرة وذلك في الفقيدة والدته ، إلى هنا والأمر يبدو طبيعيا ومنسجما مع ثقافة النفاق التي انتشرت في عهد النظام السابق ، أما ما لم يكن طبيعيا بالمرة هو الجهة التي نشرت الإعلان على نفقتها والتي كانت جماعة أنصار السنة وهي أحد أهم الكيانات المؤسسية للتيار السلفي في مصر . هشام أبو غيدة – لمن لا يعرفه – هو الرجل الذي تولى رئاسة جهاز أمن الدولة لأيام معدودة في أعقاب ثورة 25 يناير نفذ خلالها فضيحة فرم وثائق الجهاز والتخلص من أحد أهم الصناديق السوداء للنظام السابق ، فالرجل إذن ليس مجرد ضابط كبير بالجهاز ولكنه واحد من رموز الفساد به ، وعندما تكون هناك علاقة بهذه القوة بينه وبين التيار السلفي تصل إلى حد دفع تكلفة إعلان عزاء في واحدة من أغلى النوافذ الإعلانية في مصر يجب أن نتحسس عقولنا . لقد أعدت التذكير بهذه الواقعة – التي يحفظها بالقطع أرشيف الأهرام - لكي أضع قدما على أول طريق اكتشاف الممارسات النفعية للتيار السلفي والتي جعلته يتعايش بشكل مذهل مع النظام السابق ويحصل منه على مكاسب معنوية ومادية لم يكن ليحصل عليها لو لم يكن هناك إرادة نظام حاكم تدعمه وتؤيده وتتلاقى مصالحها مع مصالحه . وحيث أن مصلحة النظام السابق وأجهزته البوليسية كانت تتمثل فقط في الحفاظ على كرسي الحكم وتوريثه لنجل الرئيس وتغييب عقول المواطنين وإقصائهم عن المشاركة الجادة في إدارة الشأن العام ، فقد كانت خطابات وممارسات التيار السلفي متوافقة تماما مع هذه الأهداف ، لذا فإن دعاة هذا التيار لم نسمع لهم يوما كلمة حق في حضرة نظام جائر ، بل سمعنا منهم نقدا وسبا في حق تيارات إسلامية أخرى – بما فيها الإخوان المسلمين - ورأينا منهم حروبا تكفيرية ضارية خاضوها ضد رموز الوسطية الإسلامية – الأزهر والتيار الصوفي على سبيل المثال - وسمعنا منهم تحريضا معلنا ومستترا ضد شركاء الوطن من الأقباط . وهكذا مارس دعاة هذا التيار ” الاستئساد ” فقط على خصومهم الفكريين وخصوم النظام السابق ، أما في الحق فلم يكونوا سوى “نعام” مسالم يحرم الخروج على الحاكم ويسفه من شأن الأفعال الاحتجاجية ويكرس لمزيد من عزلة المواطنين عن إدارة شانهم السياسي . وقد استفاد التيار السلفي استفادة كبيرة جدا في ظل النظام السابق ودعمه المستتر له ، ولم تقف هذه الاستفادة فقط عند حد السيطرة على آلاف المساجد والمؤسسات الخيرية واستقطاب ملايين الأتباع ، بل إن كثير من رموز هذا التيار وأعضائه حققوا مكاسب مالية ضخمة من مشروعات تجارية لسلع استهلاكية في معظمها لم تضيف شيئا للاقتصاد القومي ، ومن تجارة الدين المعبأ في منتجات إعلامية بدءا من قنوات التلفزيون وحتى شرائط الكاسيت ، فضلا عن بيزنيس تجارة ملابس المنقبات والجلابيب القصيرة والسراويل للرجال . التيار السلفي الذي قفز على الثورة قفزا – شيوخه أفتوا بان الثوار القتلى ليسوا شهداء - يستخدم الآن نفس المنطق النفعي في الممارسة السياسية ، فرغم إنهم لم ولن يؤمنوا يوما بالديمقراطية وتشهد منتجاتهم الفكرية عن تحريمهم المطلق لها واحتقارهم البالغ لصندوق الانتخابات ، إلا أنهم يستخدمونها الآن للوصول لأغراضهم الدنيوية المتمثلة في السطو على كراسي الحكم ، ولم يستنكف أحد أشهر وأهم رموزهم من أن يطلق علي استفاء 19 مارس “غزوة الصناديق” . وأقرءوا معي الفتوى المنشورة على موقع جماعة أنصار السنة المحمدية بتاريخ 15 يونيه 2011 بشأن مدى جواز المشاركة في الانتخابات ، حيث يجيب المفتي بأنه في حالة أن يكون نظام الحكم غير إسلامي كالنظام الديمقراطي أو الشيوعي أو غيرهما من الأنظمة الوضعية المنافية للإسلام، ففي هذه الحالة الأصل هو المنع من المشاركة لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، ومنها: الركون إلى الظالمين وحضور مجالسهم واختلاط الحق بالباطل وعدم ظهور راية أهل الإيمان وتمايزهم عن أهل الكفر والطغيان (http://www.elsonna.com/play.php?catsmktba=13831) وأقرءوا أيضا فتوى هذا التيار بشأن حكم الانضمام للأحزاب السياسية ، حيث يجيب المفتي بأن “ الأحزاب التي لا تقوم على الإسلام ولا تدعو إليه كالأحزاب العلمانية والشيوعية والاشتراكية والقومية ونحوها فهذه لا يجوز إقامتها ولا تمكينها، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وإقرار ما هي عليه من الباطل، وإدخال الشك والشبهة على عامة المسلمين وفتنتهم في دينهم ( ) http://www.elsonna.com/play.php?catsmktba=13835 إذن هذا التيار لا يؤمن أصلا لا بالانتخابات ولا بالأحزاب ولا بالديمقراطية فعلى أي أساس يجتهد ويحشد أنصاره للمشاركة فيها ؟ الإجابة بالقطع تكمن في ” نفعية ” هذا التيار واستهانته حتى بالفهم الديني المتشدد الذي يؤمن به طالما كانت له مصلحة دنيوية في ذلك . بقى لي فقط أن أحيل دعاة التيار السلفي وأنصاره و المتعاطفين معه والمصدقين لدعواه إلى الموقع الالكتروني لدار الإفتاء المصرية ليقرأوا فتاوى الشيخ الجليل على جمعة الذي يسنون أسلحتهم لمحاربته ويقارنوا بينها وبين الفتاوى المنشورة على مواقعهم الإلكترونية ليعرفوا من الذي كان يدعم النظام السابق ومن الذي باع شرع الله ليشتري به غرضا سياسيا زائلا .