خطط الرئيس الروسي جوربايشوف منذ تولي الحكم عام 1988 لإعادة بناء روسيا باتجاهين رئيسيين أولهما:خفض التوتر السوفيتي الأمريكي ,وثانيهما ترسيخ مبادئ البريسترويكا التي تهدف في مفاهيمها الابتعاد عن روح النظام الشيوعي طبقا للنظرية الاشتراكية التي قامت على أفكار ماركس ولينن وإنجلز مما مهد الطريق للإنهيار,فمن جانب أحدثت هذه الرؤية نوع من الضبابية داخل الجيش مما أدى لشق الصف ,ومن جانب آخر مهدت الطريق لإحداث انقلاب في محاولة لإعادة الاتحاد السوفيتي للنظام الشمولي المركزي والتخلص من بريسترويكا جورباتشوف ومن ثم قام عدد من المسئولين الكبار بالإنقلاب وتم إخضاع جورباتشوف رهن الإقامة الجبرية ,وشكلت لجنة حكم للقيام بأعماله , لكن الانقلاب فشل بسبب الجماهير التي فقدت إيمانها بالإتحاد السوفيتي نتيجة السياسات الفاشلة التي أدت لكوارث اقتصادية عديدة ,فضلا عن عجز قيادة الانقلابيين في اتخاذ القرارات الحاسمة في اللحظة المناسبة. إنتهى الإنقلاب ببزوغ نجم يلتسن وقدومه على ظهر دبابة ليتولي مقاليد الحكم بروسيا الاتحادية في يونيو 1991,وفي 25 ديسمبر من نفس العام أعلن رسميا تفكيك الإتحاد السوفيتي المكون من 16 جمهورية ,وبدأ رؤساء الجمهوريات السوفيتية التوقيع على وثيقة الحل ,وبهذا الانهيار الكبير أسدل الستار على أول تجربة عملية للنظام الاشتراكي وفقدت روسيا مكانتها المميزة كقوة عظمى في العالم لا سيما أن يلتسن الذي كان يمثل المنقذ لأحلام الملايين من الشعب لاستعادة الأوضاع المستقرة في روسيا بات عاجزا عن تحقيق أحلام البسطاء الأمر الذي أدى إلى استقالته من منصبه فجأة في خطاب رسمي أبدى فيه اعتذاره للشعب الروسي الذي لم يحقق له الحلم المنشود ,رغم فوزه في الانتخابات الرئاسية للمرة الثانية عام 96 والتي انتهت بتنحيه عن السلطة عام 99مرشحا بوتين خلفا له ,لتحل الولاياتالمتحدة مكانها وتصبح القوة الأحادية الأولى في العالم على مدى 22 عاما وباندلاع ثورات الربيع العربي ظهرت روسيا الجديدة ومعها الصين وكوريا الشمالية ليمثلا القوى التعددية في المستقبل حيث أفسدت هذه الحركات الثورية التي يموج بها الوطن العربي طموحات الولاياتالمتحدة في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير مما أدى إلى تورطها في سياسات وممارسات خاطئة تجاه هذه الشعوب. ومن ثم بدا الطريق مفتوحا أمام روسيا الاتحادية لتجد لنفسها موطئ قدم من جديد في الوطن العربي بمساندة بعض الدول التي امتلكت السلاح النووى في العقود الأخيرة على رأسها النمور الأسيوية ,وبمجيئ بوتين القادم من جهاز المخابرات الروسي على سدة الحكم والذي تقلد العديد من المناصب الرفيعة في الرئاسة الروسية حتى تولى اختصاصات الرئيس بالوكالة منذ 31 ديسمبر 1999 ثم انتخب فى مارس 2000 رئيسا لروسيا الاتحادية ,وأعيد انتخابه للرئاسة مرة أخرى فى مارس 2004 ومجددا انتخب كرئيس في 4مارس 2012 ليحصل على 64% من أصوات الناخبين . بدأت روسيا الجديدة بقيادة بوتين تعيد صياغة موازين القوى وتواجه تحديات فرضتها الولاياتالمتحدة على العالم وفي القلب منها الشرق الوسط حيث أبدت تأييدا لثورات الربيع العربي التي حولتها أمريكا لخريف عربي حسب مقولة بوتين ورفضت التدخل العسكرى الأمريكي فى سوريا كما ساندت مطالب الشعب المصري في خلع المعزول مرسي وأبدت ارتياحا تجاه ترشح السيسي للرئاسة واعتبرته قرارا مسئولا في ظل الظروف المصرية الراهنة.ويأتي قرار بوتين الجريئ بتوقيع اتفاقية ضم شبه جزيرة القرم فى 18 من الشهر الجاري 2014 خطوة على الطريق الصحيح في استعادة أمجاد روسيا العظمى فهى ذات أهمية قصوى لاحتوائها على قاعدة بحرية روسية تعد الوحيدة من نوعها في المياة الدافئة وهى مقر أسطول البحر الأسود الروسي وتقع في جنوب البلاد على مساحة 26 ألف كم بكثافة سكانية تبلغ حوالي مليوني نسمه يشكل فيها المسلمون من التتار حوالي 12%من السكان هذه الجمهورية كانت تتبع أوكرانيا رغم أن 58%من السكان الروس يعيشون على أرضها بينما يعيش 24% فقط من الأوكرانيين هناك.وبمجرد إعلان بوتين عن ضم الجزيرة ورفض أوكرانيا الانضمام للإتحاد الروسي لوح الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة بتوقيع عقوبات على روسيا بدعوى حماية الديموقراطية كما دعا أوباما مجموعة الدول السبع لاستبعاد روسيا من المجموعة ,وكرد فعل سريع وحاسم أجرى بوتين الاستفتاء الشعبي يوم الأحد 16 مارس 2014 حيث أيد 95% من سكان القرم الانضمام لروسيا الاتحادية والانفصال عن أوكرانيا في حين رفضت أوكرانيا عملية الضم,هذا الإجراء من قبل بوتين يعد تحديا واضحا للإنتقادات الحادة من الجانب الأمريكي الأوروبي الياباني الرافض لهذه الخطوة معلنا أن شبه جزيرة القرم جزء لايتجزأ من روسيا وأنه يرفض إخافة روسيا بتصريحات عدوانية وغير مسئولة وأن الرد عليها سيتم بالطريقة المناسبة. ولست أدري لماذا سعدت بضم القرم ولماذا شعرت بالفخر لقرار بوتين الشجاع وردود أفعاله تجاه عجرفة أمريكا وشركائها ,هل لأنه يعيد في أذهاننا زمن الحلم الجميل ,أم لافتقادنا القوة والزعامة حيث الأيادي المرتعشة التي ما زالت تتحكم في مصائرنا رغم انطلاق ثورتين عظيمتين كانا وما زالا الحلم والأمل.