كلًا يذهب إلى الله بطريقته، هناك من يذهب عابدًا ناسكًا في محرابه، وهناك من يذهب محبًا عاشقًا، فيكون الله هو محبوبه الوحيد الذي يأنس بمناجاته، فكان التغني بأشعار أقطاب التصوف، سبيل سلطان المدحين الشيخ «أحمد التوني» ليخلق لنفسه موضعًا بين العاشقين لله، فسقى مريديه حبًا ذابت به القلوب. بسبحة لا تغادر يديه، يطرق بها «التوني» على كأس زجاجي، ليخلق موسيقى تميزه عن غيره من سائر المداحين، فينشد بشكل فطري قائم بصورة أساسية على الارتجال مما يحفظه من أشعار كبار أئمة التصوف ومنهم: «أبو العزايم وابن الفارض والحلاج»، دون مرافقة ألحان إلى أن أدرك أهمية استخدام الموسيقى في نشر رسالة التصوف التي يحملها، والتي بلغت عبر صوته مسارح «باريس وعموم أوروبا والولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين وسائر دول شمالي أفريقيا بالإضافة إلى سوريا»، فأدخل ثلاث آلات «الكمان، والناي وآلة إيقاعية». كانت للموسيقى برفقة الأناشيد الروحية أثر طيب في نفس «سلطان العاشقين»؛ حيث ساعدته في إيصال رسالة التصوف الإسلامي إلى العالم كله، قفال عنها: «الموسيقى تجلب الجمهور، وتقرب المعنى، وتطرب النفس، وترقق المشاعر»، واختلف «التوني» مع بعض المتصوفه الذين يقصرون التصوف وحب الله على المسلمين، فقال: «التصوف صالح لجميع الأديان وليس حكراً على المسلمين وحدهم». اشتهر «التوني» بتقديمه للتراث القديم كما جاء على ألسنة الأولياء والعارفين بالله والسالكين في مدارجهم ومنهم: «الجندي والرفاعي والدسوقي والجيلاني» وغيرهم من «أهل الله» كما يسمى الصالحين في الأدبيات الشعبية، وكان لمولد السيد البدوي بمدينة طنطا منزلة خاصة عند «ساقي الأرواح»، فقال عنه: «ما زال مولد السيد البدوي، المولد الوحيد الذي يحافظ على تقاليده الأًصلية لا سيما "الدورة" وهي نوع من الحركات تتبع في الحضرات الصوفية». في الموالد: كمولد السيد «البدوي»، والسيد «الحسين»، والسيدة «زينب»، كان «التوني»، يجد متعته في الغناء المتواصل ولساعاتٍ طويلة، فقبل سنوات كان الشيخ ينشد لحوالي الست ساعات في المولد بغض النظر عن المناسبات التي يمكن أن يحييها نفس الليلة، وكل ذلك ارتجالاً مما يحفظه من الشعر دون أن ينشد في ليليتين متتاليتين نفس الأشعار. لم يكن «التوني» من العاشقين الذين أرادوا خلوة بالمحبوب بعيدًا عن الناس، بل أتي بالناس إلى المحبوب، ليذكروا سويًا ويشدون بحبه طوال الليل، فعشرات السنوات قطعها سلطان العاشقين في حب الله وآل بيت رسول الله «محمد» في الدنيا، لينتقل أمس الاثنين إلى رحاب الآخره، ليلتقي بمحبوبه بعد طول انتظار.