حوالي عام 1947 نشر رفاعة الطهطاوى كتابه «تخليص الإبريز» الذى وصف فيه الثورة الفرنسية، وترجم أفكارها الداعية إلى التمرد على الطغاة، والثورة فى وجه الظلاميين، كما ترجم فيه أيضا دستور فرنسا متعاطفا مع ثورة الفرنسيين، وأنهى ترجمته بالآتى "أخطر ماتواجهه مصر: محو الأمية والدستور" .. مائتان عام ومصر مازالت تواجه نفس المشكلتان الضاريتان. فى 28 فبراير عام 1922 عقب تصريح انهاء الحماية البريطانية على مصر وفى أول مارس 1922 رشح عبد الخالق ثروت لتشكيل وزارة جديدة، وبعدها بشهر فى 3 إبريل شكل لجنة لوضع الدستور وقانون الانتخاب، وكان حسين رشدى باشا رئيساً لهذه اللجنة، وأحمد حشمت باشا نائباً للرئيس وكانت اللجنة مؤلفة من 30 عضواً وعرفت باسم «لجنة الثلاثين». ورغم ما تكشفت عنه توليفة هذه اللجنة من تجانس وتنوع وتناغم، حيث ضمت مفكرين وأدباء ورجال قانون ورجال مال وأعمال وأعيان ورجال دين وتجاراً وساسة وعلماء فإنها لم تضم أعضاء من الحزب الوطنى وحزب الوفد اللذين رفضا المشاركة، بل إن الزعيم سعد زغلول، الذى كان منفياً ، وصف هذه اللجنة بأنها «لجنة الأشقياء» لأنه كان يتعين أن يضع الدستور جمعية وطنية تأسيسية تمثل الأمة لا لجنة تؤلفها الحكومة، ولم تضم عضواً واحداً من البرلمان. ورغم ملاحظات زعيم الأمة على تصريح 28 فبراير ووصفه للجنة الثلاثين بأنها «لجنة الأشقياء» فإن هذه اللجنة كان لها الفضل فى مجىء سعد زغلول على رأس الوزارة الشعبية الوفدية وظلت حكومة سعد مخلصة لدستور 1923.. وفى عام 1931, نام زعيم الأمة مصطفى النحاس على رصيف محطة قطار بني سويف, والسبب دستور اسماعيل صدقي الذي وضعه 1930, محاطاً بحصانة مدتها عشر سنوات،لا يسمح خلالها بتعديله بعدما زاد فيه من نفوذ الملك,لم يساند حكومة صدقى من الأحزاب سوى الحزب الوطنى،بينما أعلن الوفد والأحرار الدستوريين النضال لإعادة الحياة الدستورية وعقدوا ميثاقاً قومياً أسموه (عهد الله والوطن)،قرروا فيه مقاطعة الانتخابات وزيارة الأقاليم لتنوير الرأي العام وفى مايو 1931 بدأ قادة الوفد والأحرار الدستوريين تنفيذ برنامج زيارة الأقاليم،واتفقوا على السفر إلى بنى سويف لتكون المحطة الأولى للإلتقاء بالجماهير،وما إن وصل قطار الزعماء إلى محطة بنى سويف يتقدمهم مصطفى النحاس باشا ،حتى وجدوا الجنود ضاربين نطاقاً " حصار على المحطة ", وعلموا ان الحكومة أصدرت أمرا بمنع اتصالهم بالأهالى وحاصروهم فى المحطة إلى أن عادوا فى قطار الليل إلى القاهرة, ولما أخذ التعب من دولة النحاس باشا،نام على أحد المقاعد الخشبية وجعل من حقيبة صغيرة وسادة وضع عليها رأسه. وللتاريخ شهود كثيرون على دساتير مصر بأشكالها وألوانها, ربط الطهطاوى بين آفة الامة "الجهل والدستور",وأعترض زغلول على ما تسلح به فى الحكم , وحشد النحاس للتوعية .. الدستور يا سادة ليس مناظرة بين من يدعى الثقافة السياسية وبين احد اعضاء قطيع خالف تعرف , بل هو وسيلة الأمم نحو التقدم هو اساس دولة سيادة القانون , التصويت يا سادة واجب وطنى وفرض عين ,يصوت فيه من يستحسن "نعم" ويرفض فيه من لم تميل نفسه إلا ل "لا" .. أما أنا ,سأصوت بنعم على الدستور ، لأننى مدركة تماماً أن مصر ليست الدانمارك وليست صحراء الجزيرة العربية ,نحن نصوت فى سياق مجتمعى و سياسى وثقافى لا يحتمل المزايدة من أى طرف .. خاصة وأن الدستور للمرة الأولى في تاريخ مصر المعاصر يقدم حلا نهائيا لمشكلة الأمية والجهل.. فهل نتقدم للأمام أم نعود للخلف؟.. أنا مع "نعم" للأمام! سأصوت لمصر وأستقيموا يرحمكم الله ..