أحمد عبدالحي: وإيه يخلي القبر يلين.. غير يحضن في بدن شاعر.. وإيه يشبه لصدق جنين.. غير حزن الشاعر ع الشاعر.. صعب حد مابيكتبش، يفهم يعني إيه موت شاعر كبير ساب وراه مشروع شعري وغنائي كامل بالنسبة لشاعر بيبدأ تجربته، بالذات لو حصل بينهم تواصل إنساني زي المرات القليلة اللي حصلت لي مع عم "نجم".. جمعني بعم "أحمد" مواقف كتير لكن المرتين اللي اتكلمنا فيهم في دار"ميريت" مرة لما كان بيقنعنا ننتخب "مرسي" ضد "شفيق" عشان نخلص من العسكر ونفضى للإخوان..ومرة لما الصديق الروائي "أحمد العايدي" قاله :انت سمعت أحمد قبل كده يا عم أحمد؟ فقاله لأ، وطلب مني أقول قصيدة وبعد ما خلصت باس راسي وقالي أوعى تبطل كتابة. شاعر الشعب..واحد من الألقاب اللي وصفت عم نجم طوال مشواره..في رأيي الوصف ده ماكانش بس لكون عم نجم شاعر بلغة المصريين العامية..لكن لكونه لسان حال الشعب في معاناته طوال فترات الأنظمة اللي حكمته..عم النجم الشعر بالنسبة له كان اختيار ثوري وانحياز للمهمشين اللي كان واحد منهم..ظهر ده جدا في تجربته الطويلة مع الشيخ إمام في الأغنية اللي قبل ما تحب توصفها بإنها سياسية أو ثورية..لازم توصفها بإنها شعبية أو جماعية..وبالتالي كان سهل جدا تستدعي نفسها مع أول تحرك شعبي أو جماهيري في ثورة يناير..أغنية تحمل من الهتاف ما تحمله من الشاعرية..تحمل من البساطة ما تحمل من خيال.."ارمي الغناوي تقاوي..تبوس الأرض تتحنى"..بالبساطة دي برضه لما حب عم نجم يوبصف نفسه في قصيدته "بلدي وحبيبتي" قال "هو في يا عزة عندي مممنوعات..غير بحب الناس وبكره السكات"..وداعا شاعر الشعب ولسان حاله..وداعا رفيق بهية. محمد علاء الدين: "كنت اراه من وقت لاخر في جلسات دار ميريت، منذ سنوات ثمانية. كنا نبتسم لبعضنا ونقول كلاما قليلا، في يوم كان جالسا مع هاشم (محمد هاشم صاحب ومدير دار ميريت) وهما يسلخا خلق الله تريقة كعادتهما، العم أحمد بالجلباب والقفطان المعتادين وهو يتذمر دائما بقوله "أنا لازم أرجع دلوقت علشان الترماي"— ومن لا يعرف العم أحمد قد يسأل سؤالا مشروعًا عن اي ترام يتحدث عنه، وقد مضي هذا العصر، قبل أن تكتشف أنه السم الحركي للسيدة "أم زينب" زوجته. كان ممسكا بالجريدة ومنظار القراءة على طرف أنفه، بينما هو يحل الكلمات المتقاطعة. قلت له مستظرفا " هي الكلمات المتقاطعة لسه كويسة زي زمان و لا باظت مع اللي باظوا؟" تؤ! قالي وهو بيطوي الجرنال شوية: لا! دلوقتي أي كلام.. زمان كنت أكتب للواد (….) – اسم مشهور في الصحافة المصرية- بتاع الكلمات المتقاطعة المطلوبة منه للشهر بحاله، يروح باعتلي وقيه حشيش". هكذا كان «نجم» أتذكر دائما كم الحكايات التي تصعد من حكاية واحدة، كم التفاصيل المختلفة التي يضيف لها نجم بالزيادة أو النقصان. لا أزال أذكر كيف حكي لي عندما نسوا الشيخ إمام جالسًا أمام باب شقة الأسكندرية بينما هم جالسين عند سعيد صالح لمده ثلاثة أيام. لا أزال أذكر، بجوار كل هذا، قصيدة حلاوة زمان. لا أزال أذكر كيف كنت صغيرا جدا وأطرب لقراءة هذا الشعر الذي يلتصق بذاكرتك ويصير "أنت"، بشكل أو بآخر. مازلت اتذكر الفاجومي الساحر بكل تناقضاته وتضارباته.. رحمك الله يا عم نجم. مصطفى السيد سمير: أهم ما يمكنني تذكره من أيام الثورة، هو اكتشافنا لمدى وهمية وزيف تلك الحواجز التي تفصلنا عن بعضنا البعض، الحواجز الثقافية التي كانت تبنى باستمرار لتحولنا من شعب واحد إلى آلاف وملايين الشعوب ذات الهويات الثقافية المنفصلة. في تلك الأيام كان من المعتاد أن تبدأ بالحديث عن كامب ديفيد، فتكتشف أنك لست وحدك من يلعنها. أو أن تذكر سليمان خاطر، فتجد أن العديدين بجانبك يعلمون قصته. أو أن تبدأ في دندنة إحدى أغاني نجم والشيخ إمام، فتجد المكان كله يردد الغناء، المثقفين والطلبة والباعة والعابرون. هذا هو أحمد فؤاد نجم، الشاعر الأكثر شهرة والأكثر تعرضا للتجاهل الإعلامي الرسمي، مما جعله الشاعر الذي احتفظ به كل مواطن في ذاكرته كسر خاص، لا يبوح به إلا في مواسم الثورة. لن يمكنك أن تتذكر مرة سمعت فيها أحدا يردد إحدى قصائد " نجم " – حتى العاطفية منها – دون أن يكون ذلك مرتبطا بمسيرة غضب، أو وقفة احتجاج، أو تضامن مع صاحب حق منتزع. ترديد كلام " نجم " يلخص الكثير مما لا يمكن التعبير عنه إلا بشكل جماعي مفتوح الأفق، رغباتنا المحتقنة بنا وآمالنا التي تصر على التشبث بنا وإحباطاتنا التي تؤلف عنا النكات كي تتمكن من العيش معنا جنبا إلى جنب، مما كان أكبر دليل على نجاحه في ما حاول " نجم " أن يقوم به طوال حياته، فالنجاح الأهم في حياة أي فنان أن يتحول قارئه ليصبح أكثر شبها به، وقد فعل. أخبار مصر- البديل