خليل عز الدين : وفاة الشاعر أحمد فؤاد نجم تعتبر خسارة كبيرة، فهو لم يكن شاعراً فحسب بل كان ضميراً لأمة بأكملها عانت وجاعت وخسرت أبنائها وحتى عندما ثارت رددت أغانى الشيخ إمام التى كتبها نجم نفسه، وجسِّد بذلك مقولة الشاعر العظيم طاغور "لا يهمنى من يحكم شعبى مادمت أنا الذى أكتب أغانيه".. وهذا ما فعله تحديداً الثائر نجم. حقيقة لم ألتق بالفاجومى فى جلسة من قبل لكنه كان حاضراً بتجربته الثرية فى تكوين جيلى بمثقفيه ومبدعيه وطلبته وفلاحيه وعماله فقد استطاع بإصراره كرجل مناضل أن يصل بالشعر إلى كافة شرائح هذا المجتمع، فحينما تسير فى مظاهرة ويصرخ أحدهم ب" شيِّد قصورك" أو "الجبان جبان والجدع جدع" أو "ناح النواح والنواحة" أو "هما مين واحنا مين" ستجد الجميع يردد خلفه بإتقان دون خطأ.. فبرغم المنع الذى تعرّض له والتعتيم الإعلامى الذى عانى منه معظم جيله من أصحاب المواقف بما فى ذلك السجن والتنكيل، ظل الفاجومى رمزا لشاعر لم يكن أبداً آداة فى يد النظام لتلميع الحاكم، بل كان دائماً صوتاً يؤرق الطغاة وينادى بحق المواطن فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وبشّر بثورة كانت نتيجة لحراك استمر لعقود، كان هو بالتحديد واحداً من الذين حرّضوا عليها، وألقوا حجراً فى المياه المصرية الساكنة، لهذا وبرغم القيمة الكبيرة للشاعر فى قلوب المصريين لم تكرمه الدولة فالرجل الذى علّم نفسه بنفسه يستحق منّا الآن تكريماً لائقاً، وأخيراً أتذكر كلماته لوصف رحيل جيفارا وكأنها تصفه هو: رامي يحيى: "يمكن صرخ من الألم/من لسعة النار فِ الحشا/ يمكن ضحك أو ابتسم أو ارتعش أو انتشى/ يمكن لفظ آخر نفس كلمة وداع/ لَجل الجياع/ يمكن وصية للي حاضنين القضية بالصراع". مبدئيًا عم نجم مش مستني شهادتي عشان يخش بيها الجماعة، ولا أي شهادة تانية تلزمه، يكفيه أن على مر 60 كلامه هو اللي بيحرك كل الثوار والمتمردين في الإقليم كله، غالبًا أنا اللي محتاج أتكلم عنه. علاقتي الأدبية مع الشاعر أحمد فؤاد نجم، بدأت في التسعينيات.. لما شتمت لواحد صاحبي في الشعر والشعراء على خلفية قرايتي لأحد الشعراء الاستهلاكيين، فرد عليا بثنائي عجيب كسر حاجات كتير جوه دماغي.. وغير وجهة نظري في حاجات كتير قوي.. مش بس في الشِعر، وده لما قرا عليا من قصائد الكبيرين أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم، وتخيلوا أنتم بقى مستوى البَستَرَة الذهنية اللي حصلت لي وأنا بأتنقل بين مفردات ورؤى الجوز دول. علاقتي الشخصية مع عم أحمد بدأت في بداية الألفية التالتة، تحديدًا في 6ب شارع قصر النيل، حيث دار ميريت للنشر والعجيب محمد هاشم، كنت مقدم ديواني للدار قبلها بقيمة سنة ولا أكتر شوية ومنتظر القدر يقول كلمته، فوجئت بتليفون من "هاشم" بيقولي أروح أقابله في الدار، فرحت جدًا معتقدًا أن الديوان حاز إعجابهم وهنتناقش في خطة الطباعة والنشر، بوصفي شاعر بقى، فطلعت جري على ميريت. في ميريت كانت الصاعقة لما لقيت نفسي وجهًا لوجه قدام الفاجومي ذات نفسه، عطلت تمامًا، وما كان من "هاشم" إلا أنه بيعرف عم "نجم" بيا والناس بتتعامل عادي كأننا أصحاب من سنين، الحميمية دي خلتني أبدء افك وأتكلم عادي زي باقي بني البشر، بس لما هاشم طلب مني أقرا من شغلي لعم نجم.. رجعت "أهوهو" تاني. فما كان من الفاجومي الجميل إلا أنه شجعني على طريقته الخاصة، وقبل مستوى التشجيع يوصل لخوض الأعراض بدأت أسمعه شغلي، سمع أكتر من نص بتركيز متصاعد، بعضهم كان من اختيار هاشم، وبعدين أنهال عليا بوابل من الشتيمة اللي تتجاوز مستوى خيالكم، وده كان متناقض جدًا مع ملامح وشه البشوشة وهو بيحضني ويكمل شتيمة، وقدام حالة البلاهة اللي ظهرت عليا تدخل الجميل محمد هاشم ليقوم بعملية الترجمة، وفهمت أن شغلي أنا عجب الراجل ده. دور عم نجم في حياتي ماوقفشي عند الحضن ده وكام طن الشتيمة اللي معاه، إنما كمان بمجرد صدور الديوان كتب عنه وقدمني معاه في أكتر من فاعلية أو برنامج، وكمان كتب بكل حب عن ديواني التاني، بس الأهم بالنسبة ليا ع الإطلاق هو اللقب اللي منحه ليا بعد ما سمعني أول مرة، بص ليا بعنيه اللي ما تتوصفشي دي وقال لعم محمد هاشم: "الواد ده هو إله الجوع والبؤس عند الفراعنة". ولأن على رأي المثل "اللي ألف مامتشي"، فما بالنا باللي زي عم نجم، فأنا مش زعلان ولا متشحتف ولا الجو ده خالص، بس بصراحة عارف كويس أني هفتقد مقابلته البشوشة وكام طن الشتيمة وصيحته الجميلة: "إله الجوع". عمرو حسن : لاداعي للحداد على أحمد فؤاد؛ ماكانش شاعر .. كان فوضي عارمة .. ( وتر فالت ) في الة وترية، من كتر صلابته وشجن غناه أعتقد إنه ( غير قابل للنعي )، دخلت الدنيا وعرفت إن واحد بس اللي ممكن يشتم رئيس فسد ويهين نظام مختل يشتمهم بميزة إن ماعندوش اللي يخسره وبدافع سهرة صباحي مع شلة الانس في مكان ما في ربوع مصر، الوحيد اللي عامل مصر على إنها (البت بتاعته) ولما غنالها غنالها الغنا الصعاليكي المجرد من (أنا) والممتليء ب (انتي). إذا توافقنا مع تصور إن العامية شعر للناس..وإنه المفروض يوصل لعالم الفضاء وبياع الترمس ف نفس اللحظة..يبقي بنعمل دايرة حوالين تجربة نجم ومسيرته. بتصور تاني -مجنون أكتر- الراجل لو عنده فرصة يكون موجود دلوقتي يتابع مشهده وهو مروح .. هيكون بيضحك وبيلعن الكل كليلة. أحمد فواد نجم مش مجرد نص قرن كتابة وزعيق وغنا ودروشة ومواويل لكن تكريس للشعر المقاوم في تاريخ البشرية ومثل حي على الرضا الشعبي والحب المطلق. ماقابلتوش غير مرة .. وكان نفسي أسمع "هنا شقلبان" و "كل عين تعشق حليوة " وقالهم من غير ماطلبهم .. وسألت نفسي سؤال وقتها .. هو الراجل اللي بيتنطط زي أراجوز في مولد شعبي في القصيدة الأولى..إزاي كان هادي ورومانسي وعاشق في القصيدة التانية! والجدل اللي هيفضل عايش للأبد عن الفاجومي "هو كان مين فيهم"؛ الثورجي الشتام الصاخب الرنان ابو صوت تعالي ونفس طويل؛ ولا الحبّيب العاشق الولهان المتيم ابن البحر والليل الونس ؟؟؟ تلات كلمات يلخصوا نجم ف عيني : "سجن باصص للسما"، وكلمتين ينفوا تلخيصه "شارع عمومي".