تعددت محاولات الباحثين لتجميع أدبيات الكرامة الصوفية ودراستها، لكن أغلبها لم يلم بماهية الكرامات ومهمتها بوصفها نصًا إبداعيًا سرديًا مستقلًا، له مكوناته البلاغية والأسلوبية والقيمية والوجدانية. لكن انتماء الدكتور محمد أبو الفضل بدران، إلى ثقافة الجنوب في صعيد مصر، حيث النبع والعمق الصوفي، مكنه من تقديم كتابه «أدبيات الكرامة الصوفية»، الصادر حديثًا عن سلسلة كتابات نقدية، التابعة لهيئة قصور الثقافة، ليكون إضافة إلى المكتبة العربية. ويهدف هذا الكتاب إلى دراسة الكرامات الصوفية المدونة والمنطوقة، دراسة نقدية قد تتوصل إلى وضع أساس لنظرية الكرامات، من منطق افتراضي يرى أن الكرامات جنس أدبي مستقل بذاته، يتلامس مع القصة بل ربما يكون أساسها، بيد أنه يختلف عنها في كون الكرامة حكاية مقدسة لدى الصوفيين. وفي إطار هذه الدراسة النقدية بالأساس، أعانت الدراسات الأنثربولوجيه على فهم بعض الظواهر الغامضة في الكرامات، علمًا بأن هذا البحث لا يهدف إلى تجميع كمي للكرامات المدونة والمنطوقة، ولا يهدف إلى الدخول في تيه السؤال عن حقيقة حدوث الكرامة أو عدم حدوثها، فالمقصد هنا النص وما يصاحبه من علاقات مرتبطة بظروف نشأته. جاء الكتاب في 8 فصول، حيث تناولتْ هذه الدراسة أهم مصادر الكرامات التراثية والمعاصرة، وكذلك موقف المستشرقين منها، كما عرجت نحو دراسة موقف المذاهب والفِرَق الإسلامية منها، ثم حاولتْ أن تضع ما أسماه المؤلف "نظرية الاستبدال في الكرامة"، ثم حللتْ شخصيات الكرامة كالمؤلف والراوي ومحقق الكرامة وشهودها. كما تعرضت لوظائف الكرامة في إثبات الولاية والتنفيس الإبداعي عن أفراد المجتمع وكذلك الكرامة التعليمية. وفي فصل مستقل صنَّف المؤلف صور الكرامات ثم درس الزمن والرؤيا والتصوير فيها وكيفية إبداع العالم المثالي في الكرامات، وأخيرًا تناول الباحث توظيف الكرامات في الأدب العربي شعرًا ونثرًا. وقدم للكتاب الدكتور أيمن تعيلب، الأستاذ في النقد العربي الحديث، الذي وافق المؤلف على عدم رضاه عن حذر كثير من المؤرخين من تراث الكرامات الصوفية، موضحًا أن ميزة الكتاب أنه يشحذ العقل على التفكير من جديد، ويعيد ترتيب القناعات والتصورات. وعن فصل الكتاب السابع، قال "تعيلب": «خصص المؤلف هذا الفصل لنقد إبداع العالم المثالي في الكرامات، وكيف وظف الشعر فيها، وكيف بنى المتصوفة مدينة الأولياء إبداعًا، ثم تناول القطبية والغوثية في الأدب الكراماتي، وكيف أبدع المتصوفة في دوائر الأولياء». وفي الفصل الثامن والأخير، تناول المؤلف ظاهرة توظيف الكرامات في الأدب العربي نقديًا، ولاسيما في الرواية والمسرح والشعر والقصة القصيرة والسيرة الذاتية والشعبية، وكيف غدت ظاهرة أدبية أفادت الأدب العربي وعملت على تغذيته برافد متميز عمل على تفرده بين الآداب العالمية، كما تناول استخدام الكرامة كبديل عن النبوءة في الأدب العربي، ثم عرج المؤلف نحو أدب الرحلات وكيف وظف الكرامات في متنه ونبه إلى إمكانية دراسة أدب الكرامات المقارن بين الآداب العالمية.