أحيانا أحاول طرح فكرة أو لفت الإنتباه فى مقال لشىء أراه قد أزدادت اهميته نسبياً فى ضوء تطور الاحداث فأجدنى أحتاج للتأصيل والعودة للتاريخ ، فاشيد بشخصية ما عن موقف اتخذته فى الماضى ، أو أنتقد شخصية أخرى لموقف اتخذته أو تحركا لم تكن موفقة فيه فى حينها ، وكل ذلك يرد فى مقالى ليس إلا تدعيما للفكرة محل الطرح ، ولكنى للأسف أجد الامر قد تغير وأصبح الطرح لا معنى له فى عين محبى الشخصية محل الانتقاد وكارهى الشخصية التى كانت محل تقديرى، ويصير الامر كله سببا للنزاع خاصة اذا ما تعلق بالقوميين الناصريين او الدينيين السياسيين او حتى الدينيين غير السياسيين و سواء اشدنا بشىء لديهم او انتقدنا ما عندهم سيأتيك دائما من يلعنك وهم جميعا متفقين على أن يلعنوك و لا يختلف عنهم الليبراليين لو وجدنا خيرا فى مواقف من اختلفوا عنهم فى توجههم ، الكل ينبرى ضد ما تقول ماعدا من ظن انك من شيعته ، وهكذا وتتطور الامور لمستويات متدنية لا تليق بحوار بين كاتب وقارىء فينهالون بتعليقات يملؤها السباب واللعن والتحقير منهم من يدعو عليك دعاء لو استجاب لبعضه رب العزة لكنا من الهالكين ، ومنهم من يلقون عليك اتهامات بالجهل والسفه حينا و بالكفر حينا وكانهم فى سباق يحوز قصبه من كان اكثر وقاحة وأشد عدائية وغوغائية ، يتحول المقال فجاة إلى علم فوق سفارة الاعداء أصبح إسقاطه واجبا مقدسا ، من هؤلاء القراء من لا يجد ما يقوله فى الفكرة فيتصيد لك ولو حرف لدرايته باللغة والنحو والصرف فينتقد لغتك ويترك فكرتك وكان هذا الكاتب بكل ما لديه اصبح تلميذا فاشلا لغويا ساقه حظه العسر أن يكتب مقالا لهذا القارىء المقدس الاعلم من ابو الأسود والاشعر من امروء القيس ، و منهم مسكين لم يفتح رأسه منذ سنين فعلت اقفال رأسه الصدأ حتى صار لا يريد ان يسمع إلا افكارا كتلك التى تدور برأسه ، فما طابقها من اقوال الكاتب استراح بها وظن انها خير وما اختلف معها فهو شر مستطير وعدوان بين يستحق منه الجهاد و الرد بعنف وقسوة ، والحقيقة أن المنابر الادبية والمقالات والكتاب اصبحوا مواضعا واهدافا للرجم وذلك بعد ان اصبح الكثير من الكتاب و بعد ان صارت معظم المقالات مدعومة من جهات غير معلومة واصبح كثير من الكتاب يمثلون رأى و توجه الجهة التى جندته هو و قلمه للتأثير فى الرأى العام و دفعه لأتجاه يناسبهم ويتوافق مع ما يخططون له ، ولهذا التمس لبعض الذين يعلقون بغضب بعض العذر ، فهم اصبحوا يشكون فى كل ما يكتب وكل ما يقال ولذك لابد ان نعترف ان كثير من اصحاب الأقلام والفكر قد فقدوا مكانتهم وصار القارىء ينظر الى المقال وكاتيه مصنفا وواضعا اياه فى سياق من السياقات المتناحرة داخل المجتمع ( يسارى اشتراكى – دينى- علمانى ليبرالى- مستقل –حكومى ) ثم بعد ذلك يبدأ فى قرأة المقال لا ليستقبل الرسالة التى فيه بل ليفند ما يستطيع تفنيده على ان يكمل باقى التعليق سبابا وشتائم معتبرا كل ما جاء فى المقال محض افتراءات و بعد ان يتاكد هذا القارىء أن المقال وصاحبه لا ينتمون إلى ما ينتمى هو اليه .. الحقيقة ان هذا يعيدنا الى العصر العباسى و شعراء المدح والذم الطامعين فى الذهب والطامحين فى القربى من بلاط الملوك ووالذين ان لم يوفى لهم الكيل ذموا ، ويمدحون ‘إن هم اصابهم ذهب الملك وخيره ، الحقيقة ان هناك مسئولية على القارىء بشخصه المفرد وعلى الكتاب عامة، فالقارىء له ان يراقب مقالات الكاتب واعماله سواء اتفق او احتلف معه اذا اراد ان يفهم حقيقة الامور او اراد ان يتعمق ، واما الكتاب فعليهم ان يتطهروا ممن هم هناك فى ساحة الكتابة لا لشىء إلا لمساندة قوى المال والسلطة ظانين انهم قادرين على خداع الناس واللعب بعقولهم اولئك يسقطون ويراهم الناس و وهم يتهافتون بينما لا يرون انفسهم فيعيشون كالكذبة التى تحاول كل يوم ان تكتسب مؤيدين وهم بذك يشوهون انفسهم ويشوهون غيرهم من الشرفاء بعدم مصداقيتهم وكذبهم على القارىء ، هذا بعض مما مما جعل الكتاب ينحدرون يوما بعد يوم و غير موثوق بهم بعد مكانة كانت لهم فى الماضى فى عيون القراء وصاروا من اصحاب رسالة إلى عاديين لا يتميزون عن غيرهم فى شىء وهم كغيرهم باحثون عما يملؤوون به البطون تباع اقلامهم وتشترى وتتحول قبلاتهم شطر المال والسلطة واحيانا الجنس ، ولذلك ومن أجل علاقة بين الكاتب والقارىء تبنى على الثقة يجب أن تكون هناك جهة ما أو هيئة من الكتاب والباحثين الشرفاء تراقب وتحاسب وتتصدر لأولئك المسيئون وأن يكون التصدى بالحوار والفكرة لا بالقمع ولا بالمنع ، وتكون هذه الجهة محل ثقة القارىء ،وتكون له مرصدا و مرجعا ومستشارا فيما يعن له من اراء واقلام قد تبدوا مشبوهة أو صادمة أو مختلفة ، لان صحافة الرأى مهمة جدا لتشكيل وجدان المجتمع ووسيلة هامة من وسائل تشكيله ، وريشة مهمة فى ترسيم حدود ثقافته وتطويرها، وبغير رأى الكاتب الثقة يصبح الوضع كارثيا وتصير البلاد كسفينة بلا بوصلة ، او سيارة بلا عجلة قيادة . مقالات الراى تنبنى على طرح فكرة او دعم اتجاه أو نقد يوجه إلى شىء او الإشارة إلى ما قد يغيب عن الجمع أو قراءة واقع وتحليله برؤى خاصة والأصل فى الكاتب أنه قائد رأى يجب أن يتمتع بقبول نسبى يتراكم بكم مساهماته وبما لديه من رؤية واسلوب يمكنه من التأثير فى المجموع ويساعده على ابراز اشياء تفيد المجتمع و ربما لا يراها غيره ، ومع ذلك مهما كان الكاتب منتميا أو غير منتمى ومهما كان صادما او كاشفا اومختلفا معنا لا يجب رجمه على افكاره ولا يجوز لعنه وسحقة بل يجب الإقتراب منه و مناقشته ومحاصرته بهدف الوصول معه إلى الحق والمعرفة لا بهدف الانتصار الشوفينى لصوت الذات ، أو بحثا عن شىء يتجاوب مع ملصقات قديمة على حوائط تكاد ان تنقض بداخلنا ، ومع ذلك فالكاتب فى النهاية بشرا قد يخطىءوقد يصيب وإذا اردنا أن نقيمه على توجهه كان ذلك عن مجمل ما يكتب ، لا عن عمل واحد به سقطة أو زلة غير مقصودة أو فكرة ساقها وهو يعتقد فى اهميتها بينما بدت للبعض ساذجة. ، أو منحرفة .. ا خير اقول – رداً على بعض ممن ينتقدون كثرة ما يكتب ويستهجنون زحمة النشر ويتأففون من التدافع الفكرى والسجالات الكثيرة التى تشغل كل الساحات الصحفية – اخيرا أقول لهم أن من يكتبون ولديهم شجاعة الإمساك بالقلم و عرض الافكار خير ممن سواهم لأن الكتابة ليست ترفا ولا أمرا اختياريا يستطيعه الجميع بل هى صعبة مضنية وهى مساهمة و عمل ايجابى ، فهى مهما زادت اعداد من يكتبون ابداعاً يدل على حيوية المجتمع وصحته ويبعث كثيرا على الامل .... “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ” صدق اله العظيم