فيروز ياخضراء العينين ، وحدك لم تترددى أن ترفعى عينيك فى وجه الشمس ،فكانت لوجهك مرآة ، وحدك اتخذت قرارا بترويض الرياح فزينتها ، وحدك كنت أخت القهوة البيروتية الداكنة فى صباحات لبنان العبقة ، وحده صوتك ما أدفأ شتاءات الغربة الباريسية القارصة ،فكان الرفيق وكان السند والتذكرة لكل من قرراحتراف الحزن و…الأنتظار . لم تكل نهاد رزق وديع حداد من الغناء" صباح ومسا" فكانت رقة صوتها الرخيم وهى تغنى للقضية الفلسطينية أمضى عزيمة من أسلحة الاحتلال الصهيونى وحروبه التى أشبعت القرى اللبنانية والفلسطينية بالفسفور الأبيض . أحبت" أم زياد" وطنها " بلد العيد" ،غنت لجنوبه المقاوم المكتوب بالعز، والمغزول بقلوب ، رفضت أن تستوطن الغياب ولاذت بالنسمات من صوب سوريا الجنوب ، وعندما قررت أن تشد الرحال لتغنى فى دمشق اشتعل الجدل مابين اللبنانيين ثمانى وأربعة عشر آذار أن أذهبى لنصرة السوريين ضد المؤامرة ،وأن ألزمى لبنان فلا تساندى "سفاحا" ضد "ثورة " ، لكن السيدة المعجونة بالسياسة والتى لا تطفىء راديو البى بى سى فى منزلها ترفعت وذهبت لتغنى سوريا الأرض والوطن والأمل الباقى ثم عادت وفقط . ثمانية وسبعون عاما أتمتها السيدة المولودة فى عام 1935 لأب سوريانى وأم مارونية ،وماقبل عاصى الرحبانى فى الاذاعة اللبنانية شىء وما بعد عاصى الذى كان قد تعب من البحث عن صوت يحمل مشروعه الفنى فيسمعه الى الدنيا هوشىء آخر تماما ، فعاصى هو الحبيب وهو الزوج وهو العمر الذى خبأته نهاد فى عينيها فمرت السنين ولم يزداد إلا فتوة وشبابا . لها من الأبناء أربعة ، كان أحدهم وهو زياد علامة فارقة فى تاريخها المهنى كله ، فهو من جعل جارة القمر تغنى للرفيق صبحى الجيز عابثا بنوستالجيا ملايين العشاق الذين لم تتسع صدورهم لرحابة جنونه، هى فيروز طوعت العشق والجنون لتبعث من جديد وحيا أرضيا يظلله القمر لكنه يعانى مرارات الحياة أيضا . "أيه فيه أمل؟" .. هكذا وعدتنا بأن الأرض لنا وليست لطغاة الأرض بعد ستين ألبوما، و800 أغنية وثلاثة أفلام وعدد لا يحصى من الحفلات . فيروز… للاسم وقع العذوبة والمحن، الحرب الأهلية والأجتياح ، الصمود والأنكسار ، المقاومة والفرار، مرارة الانسحاق الأنثوى وجبروت عشتار ، وله أيضا زخم النهايات المفتوحة على كل الأحتمالات طالما أن الصباح سيظل عابقا بوجود هذا الكائن الذى لا تحتمل خفته .