كلمة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية يوم السبت الماضي 19/10 تعتبر مبادرة ثمينة وجهها لمنظمة فتح والسلطة والفرقاء الفلسطينيين لتأكيد الثوابت الفلسطينية والرغبة لدى حماس والمقاومة في المصالحة وجمع الشمل الوطني، والتأكيد على حق المقاومة بكافة أشكالها وعلى رأسها المسلحة، وعلى عدم التدخل في شؤون مصر أو غيرها . الكلمة وكما يؤكد بعض كتّاب فتح امتازت بلغة حوارية وطنية واضحة وجدية وعملية، وتعاطت بروحية إيجابية عالية وتصالحية مع تخوفات الطرف الآخر وحاجته للطمأنة.. مع ذلك فالموقف الرسمي لفتح ووفق ما يؤشر عليه واقع تصريحات قادتها وتغافلهم عن المبادرة ظل حبيس سوء الظن والتشكيك في النيات واتهام الدوافع، ولا يزال يراهن على أن حماس في أزمة تستغل وليست تقم مبادرة تستثمر.. كما لا تزال تصر على أن المفاوضات مع العدو – ورغم الفشل الذي تتلبط به – ستفضي لتسوية تغير كل العناوين الفلسطينية، وترجح كفتها على كفة المقاومة وكفة الضفة على كفة غزة، فهي تستكبر على المصالحة وفي المحصلة لا تزال فتح تصر على السباحة في بحر الخلافات ورفض المبادرة.. وأقول : على الإخوة في منظمة فتح أن يلتفتوا وأن يتنبهوا إلى أن كلمة السيد هنية – مبادرته – لا تأتي في سياق أزمة حماس فقط، ولكنها في ثلاثة سياقات تفضي بالضرورة لثلاث حقائق صارت القضية الفلسطينية – للأسف – رهناً بها . فمبادرة السيد هنية جاءت أولا في سياق الذكرى الثانية لصفقة وفاء الأحرار التي حررت بها حماس أكثر من ألف أسير فلسطيني من ذوي المؤبدات والأحكام العالية مقابل الجندي شاليط.. هذا السياق يفضي لحقيقة أن لدى المقاومة قدرة على المبادرة بمواجهة العدو وتخسيره وهزيمة وعيه؛ فإذا جمعنا مع هذا المشهد قدرتها – أي حماس – على قصف تل أبيب كما رأينا منذ أقل من سنة ؛ فإن ذلك يعني أن أفق الأمل أمام الفلسطينيين لا يزال مفتوحا، وأن عليهم أن يتوحدوا ليلجوه، ولينتشروا في مداه من جديد على أساس الحد الأدنى من البرنامج الوطني والثوري وعلاقات وامتدادات كلا الحركتين حماس وفتح والمؤسسات التي تسيطران عليها . السياق الثاني للمبادرة هو فشل المفاوضات، وكون العدو بمواقفه المتزمتة والحجرية هو السبب في ذلك.. هذه الحقيقة ليست جديدة، وهي تعني أن المنظمة في أزمة حقيقية تجاه قدرتها على تبرير إطلاقها المفاوضات يوم أطلقتها، وفي أزمة تجاه قدرتها على تبرير الاستمرار فيها من بعد، ثم في أزمة التحضير واتخاذ القرار لبديل يوم إعلان فشلها.. في حين أنه ليس أمامها إلا بديلان، إما الفراغ واجترار الإرجاء والاستغفال وإما المقاومة على طريقة حماس.. والبديلان كلاهما سيفتحان عليها أبواب جهنم إما من شعبها في البديل الأول، أو من العدو في البديل الثاني . أما السياق الثالث فهو الذي لا تنظر فتح إلا له ومن خلاله.. وهو أزمة حماس.. التي لا أعتقد أن حماس تنكرها ؛ فالحصار الخانق على غزة أزمة، والظروف السياسية المتقلبة في المنطقة أزمة، وتغير الحلفاء أو نقصهم أزمة.. ليس على ذلك خلاف ؛ ولكن السؤال الذي يؤشر على الأزمة الأكبر والأخطر هو: هل هذه هي الأزمة الوحيدة في الحالة الفلسطينية؟ وهل استغلال فتح لهذه الأزمة هو الموقف الوطني والثوري الذي عليها – فتح – أن تصر عليه وأن تتمترس خلفه؟ وكم سيصبر الشعب الفلسطيني على هذا الاستغلال الذي وصل درجة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني والتنسيق الفتنوي والمخابراتي مع الانقلاب المصري وتشديده الحصار والتهديد على غزة؟ ولماذا يعتقد الإخوة في فتح والسلطة بأن العوامل الوطنية والثورية ستفعل فعلها ضد حماس يوم 11 / 11 ولن تفعل فعلها في التحضير للانتفاضة الثالثة؟ وكيف سيتدبرون أمورهم إذا لم تنتج المفاوضات – ولن تنتج – دولة في الحد الأدنى من التسوية المقبولة؟ ولماذا يفترضون أن الشعب سيتحرك معهم فقط وفي خندقهم تجاه الانقسام، وهم المدانون به بقدر ما تدان به حماس، بل أكثر مع كل رفض لإنهائه؟ آخر القول: أرجو أن يصدق الإخوة في فتح والسلطة أن حماس لن تجثو على ركبتيها استسلاما وانهيارا إذا صارت مع الحائط وجها لوجه؟ وأرجو أن يفكروا ولو مرة واحدة بطريقة أكثر واقعية ووطنية وإيجابية من أجل فلسطين وفي حبها بكل فصائلها وحاجتها للجميع.. وأرجو أن لا يشردوا من المصالحة إلى المساجلات والمناكفات وسوء الظن، ففلسطين بحاجة لهم ولحماس ولكل جهد.. وإن شاؤوا فلينظروا الأمة من حولهم وما انتهى إليه حالها !! محلل فلسطيني [email protected]