ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن موجة جديدة من الهجمات وعمليات القتل اجتاحت أجزاء من جمهورية إفريقيا الوسطى. وتابعت الصحيفة أن منظمة "أطباء بلا حدود"، قالت إن البلد انحدرت إلى شبه فوضى عارمة منذ النصف الأول من العام الماضي، مضيفة أن هناك أكثر من 30،000 شخص نزحوا في بلدة بشمال غرب البلاد بوسانجو، وآلاف آخرين في المناطق المحيطة بها. وأضافت الصحيفة أن "إرنارينجيرز" وهو طبيب جراح، قال إنه وزملاءه تعاملوا مع العشرات من الضحايا، بينهم نساء وأطفال، إلى حد كبير كانت إصاباتهم عبارة عن طلقات نارية وجروح أسلحة بيضاء ونحن في ذهول مما نراه. ومن المعروف أن ما تمر به دولة إفريقيا الوسطى من فوضى يعود إلى سلسلة الانقلابات المستمرة في البلاد، فأضحت سمة مميزة لجمهورية إفريقيا الوسطى، إذ أن كل من جاء للسلطة بانقلاب أُطيح به فى انقلاب مماثل؛ وهو ما تعرض له الرئيس بوزيزى فى الحلقة الأخيرة فى مسلسل متكرر. وتاريخ الاضطرابات، ما بين ثورات عسكرية ومحاولات انقلاب واغتصاب للسلطة على أيدي المتمردين، فلم تعرف جمهورية إفريقيا الوسطى، استقرارًا سياسيًا أو انتقالًا سلسًا للسلطة منذ أطلقت الجمعية الوطنية الفرنسية اسم هذه الدولة رسميًا فى سبتمبر 1958، ومنذ تم تقسيم إقليم إفريقيا الوسطى بين بلجيكاوفرنسا انطلاقا من ضفتى نهر أوبانجى بعد احتلالها فى عام 1885 . وتعد جمهورية إفريقيا الوسطى دولة داخلية تقع في وسط قارة إفريقيا، تحدها تشاد من الشمال، والسودان من الشرق، وجمهورية الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الجنوب، والكاميرونم ن الغرب، وكانت قسما من المستعمرة الفرنسية السابقة "أفريقيا الاستوائية الفرنسية"، ومنحت حكما ذاتياً سنة (1378 ه – 1958 م) ثم نالت استقلالها بعد ذلك بعامين وعرفت غداة استقلالها بجمهورية إفريقيا الوسطي، وعاد إليها اسمها السابق (1979) وتبلغ مساحتها (622,984)، وسكانها في سنة (1408 ه – 1988 م) قدر بحوالي (2,770,000 نسمة) وعاصمة البلاد (بانجوي) وتوجد على نهر أوبانجي في جنوب البلاد. وتأتي التطورات الحالية التى تشهدها جمهورية إفريقيا الوسطى، كاستمرار لتاريخ طويل من الاضطراب السياسي والأمني، ربما يعود إلى عام 1966، أي بعد ست سنوات فقط على استقلال ذلك البلد الصغير عن فرنسا، حين قام الضابط «جان بيديل بوكاسا» بالانقلاب على «دافيد داكو»، ثم قام الأخير، في عام 1979، بانقلاب عسكري آخر ضد بوكاسا الذي كان قد نصّب نفسه إمبراطوراً. لكن حلقات السلسلة الانقلابية في جمهورية أفريقيا الوسطى لم تتوقف، فتسلم مقاليد الحكم الجنرال آندريه كولينجبا عام 1981 وظل ممسكاً بها إلى أن أطاح به فيليكس باتاسيه (مرشح المعارضة) في أول انتخابات رئاسية تعددية تشهدها البلاد عام 1993، وأطيح بالأخير على يدي بوزيزي، في عام 2003، ليطاح به هو أيضاً في ظرف مشابه جداً. الأخبار الواردة من "بانجي" عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، تؤكد أن المتمردين المسلحين دخلوا المدينة دون مقاومة تذكر، وأحكموا السيطرة على القصر الرئاسي، وأن الرئيس فرانسوا بوزيزي فّر إلى جهة مجهولة. وكما فعلها "بوزيزى" قبل نحو عشر سنوات حين دخل "بانجي" منتصراً بسلاحه على الرئيس السابق "باتاسيه"، فها جاء من يفعل به الشيء ذاته تقريباً، حاملًا إياه على مغادرة القصر عنوة، كما غادره أسلاف له في الحكم. لكن المعارضة ممثلةً في تحالف «سيليكا» أعلنت استئنافها القتال بسبب عدم تلبية مطالبها، مثل دمج المقاتلين، وإطلاق سراح السجناء، وخروج قوات جنوب إفريقيا من البلاد. ولعل أخطر ما في إطاحة رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فرانسوا بوزيزى، أنه جاء في ظل افتقار المعارضة لوحدة الصف؛ فجزء منها يحمل السلاح ضد نظام بوزيزى، وجزء آخر يشارك في الحكومة. وتمكن تحالف "سيليكا" المتمرد منذ سنوات من دخول عاصمة افريقيا الوسطى بانجي والسيطرة على القصر الرئاسي وإحكام سيطرته على المواقع الاستراتيجية والمفاصل الحيوية بالعاصمة، وسيطر التحالف على بعض المدن التي تبعد حوالي 300 كيومتر عن العاصمة ليتمكن من السيطرة عليها في غضون يومين فقط، وهو ما يعني الشلل التام في صفوف القوات المسلحة التي يغيب عنها الجاهزية والتنظيم، وكذلك ضعف الدعم الإفريقي والدولي، وخاصة الفرنسي للرئيس بوزيزي في ظل أمرين، أولهما حرص تحالف سيليكا على عدم المساس بالمصالح الفرنسية في البلاد، وثانيهما عدم وفاء الرئيس بتنفيذ بنود الاتفاق مع ائتلاف سيليكا المتمرد. وكان ائتلاف "سليكيا" حمل السلاح ضد الرئيس بوزيزي في ديسمبرمن العام الماضي للمرة الأولى احتجاجا على فشل الحكومة في تطبيق بنود اتفاقيات السلام التي وقعت بين الطرفين في عام 2007 وخاصة مشاركة الحركة في الحكومة والمناصب القيادية بالدولة ودمج المقاتلين السابقين في الجيش النظامي. وفي عام 2011 وإثر تهديد ائتلاف "سيليكا" بقتال الجيش ونشوب مواجهات فعلية بين الجانبين، توصل الطرفان برعاية فرنسا وبعض الدول الإفريقية إلى اتفاقية جديدة للسلام، تم بمقتضاها وقف الاشتباكات المسلحة، لكن استمر الائتلاف في التهديد المتواصل بخرق الاتفاق؛ لأنه كان يرى أن الحكومة تعقد اتفاقا للسلام والمشاركة في السلطة بسهولة ثم لا تلتزم به. ويعتبر اتفاق السلام الذي وقعه الطرفان في 11 يناير الماضي، آخر سلسلة من هذه الاتفاقيات بعد قيام ائتلاف سيليكا بتمرد مسلح واسع النطاق بلغ مشارف العاصمة بانجي، لكن مرة أخرى تدخلت فرنساوجنوب إفريقيا وتشاد، وهي أطراف داعمة لحكومة بوزيزي، وأقنعت ائتلاف "سيليكا" بتوقيع اتفاق جديد للسلام، وهو الاتفاق الذي قاد إلى تلك التطورات السياسية والأمنية الأخيرة. ورأى التحالف المتمرد أن الرئيس لم يتعاون بما يكفي لتنفيذ كل أو معظم بنود الاتفاق، واكتفى فقط بتعيين رئيس وزراء من ائتلاف "سيليكا" وبإطلاق بعض السجناء ورفع حالة الطوارئ، وهو ما قاد إلى اتخاذ القرار بإنهاء حكم "بوزيزي" الذي يرأس إفريقيا الوسطى منذ عشر سنوات. وكان الاتفاق الذي وقع في العاصمة الجابونية "ليبرفيل" بوساطة المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا نص على وقف إطلاق النار، وإنهاء التمرد، واستيعاب الميليشيات السابقة في الجيش النظامي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبقاء بوزيزي رئيسا، وتعيين شخصية من المعارضة على رأس الحكومة، وحل الجمعية الوطنية، وإطلاق السجناء السياسيين، وصولا إلى إجراء انتخابات عامة خلال فترة لا تتجاوز عام واحد يتم خلاله إنهاء وجود أية قوات أجنبية، وخاصة قوات ضئيلة الحجم من جنوب التيس تدعم حليفها بوزيزي. ولا تعود أسباب سيطرة ائتلاف "سيليكا" بسرعة على العاصمة وفرار الرئيس "بوزيزي" فقط إلى ضعف الجيش في مقابل قوة التمرد الذي يتسلح بكثافة منذ خمس سنوات، ولكن أيضا لأن الائتلاف استنتج من خلال أحداث ديسمبر من العام الماضي أن لا تأييد أمريكي وفرنسي يحظى به الرئيس، وبالمثل ليس من مهمات القوة المتعددة الجنسية التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول الوسط التي تنتشر في إفريقيا الوسطى منذ عام 2008 التدخل لمؤازرة فريق على حساب آخر، وهي قليلة العدد وضعيفة التسليح في ذات الوقت.