أعادت الهيئة العامة المصرية للكتاب، نشر "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية"، للدكتور ميلاد حنا، من خلال سلسلة إنسانيات، التابعة لمشروع مكتبة الأسرة، والذي نشر للمرة الأولى عام 1989 عن دار الهلال. وهو كتاب لم يرد له كاتبه تصنيفًا يضعه ضمن كتب العلوم الاجتماعية أو الفلسفة أو التاريخ أو غيرها من العلم، بل أعتبره كتاب "موجه للعقل، وينمي الوطنية، التي ليست هي تاريخًا مشتركًا فحسب، لكنها مستقبل مشترك أيضًا، ويهدف للوحدة الوطنية" بتعبير الكاتب. وتأتي أهمية نشر هذا الكتاب، في ذلك التوقيت، أنه يضع أيدينا على لب الأزمة، التي كاشفًا إياها في أسلوب شيق وبسيط، دون إنحياز لأيديولوجية معينة، حيث يشدد "حنا"، على مدى اتساع وخصوصية مفهوم "الهوية" بالنسبة للشخصية المصرية، حيث يكشف مدى عمق الأزمة، التي تمثلت في إن القائمون على الدستور وهم الممثلين للتيارات المختلفة في المجتمع المصري، يرون أن "مصر" هويتها "أحادية" الانتماء، وليست متعددة، حيث يرى كل تيار منهم، أن هوية مصر أصلها وتكوينها يبدأ وينتهي عند انتماءه الخاص؛ في تجاهل للإنتماءات الأخرى للشخصية المصرية بمفهومها الواسع؛ وحيث شرط الوجود هو نفي وجود الآخرين، فيما يعني أن الإسلاميين يؤكدون على أن هوية مصر إسلامية فقط، والقبطي كذلك والفرعوني والقومي العربي، وهو ما نطالعه خلال مناقشات ال"50″ والتي تنسحب على مناقشات الميديا والشارع والمقاهي والمنازل. وهنا يدحض الكاتب "ميلاد حنا" تلك المزاعم المتعصبة، حيث أثبت في كتابه، أن هوية الشخصية المصرية "الاستثناء"، لها سبعة انتماءات أو أعمدة سبعة، 4 منهم انتماءات تاريخية والثلاث الأخريات جغرافية، هم: انتماء فرعوني، وأخر يوناني/ روماني، وبعده الانتماء القبطي، وأخره الإسلامي؛ تلك كانت التاريخية، أما عن الجغرافية فهم: انتماء عربي، والثاني بحرمتوسطي، والأخير إفريقي"، وأن تلك الأعمدة أو الانتماءات –والتي أفرد لهم مساحة خاصة وفصل لكل منهم- داخلة في التركيبة الإنسانية لكل مصري، ولكنها منطقيًا وطبيعيًا ليست أعمدة متساوية في الطول والقطر والمتانة، وإن إحساس المصري بهذه الانتماءات يختلف من شخص إلى آخر، بل داخل الفرد من مرحلة إلى أخرى، حيث لا يهمل الكتاب الانتماءات الفردية. ويستعرض الكتاب، كيف أن هناك من يرون الأنتماء إلى الأصل الفرعوني، هو الانتماء الأهم والوحيد، حيث يميز المصريين عن سائر الأمم لما لهم من سبق حضاري، وهناك أيضًا من يفضلون الانتماء "العربي" ويرون في "الفرعوني" إضعافًا للقومية العربية؛ وهم القوميون، ومن ناحيتهم أيضًا يؤثر المتدينون النتماء الديني سواء الإسلام أو المسيحية، على أي انتماء أخر بل، وفي غالب الأمر ينكرونه تمامًا، ويحاول "ميلاد حنا" في هذا الكتاب، نشر فكرة: "أن هناك انتماءات أخرى لدي المصري، ينبغي أن يسعد ويعتز بها، لعل ذلك يعطى للانتماء الديني حجمه المتوازن". ويخلص الكاتب في حديثه عن هوية الشخصية المصرية ذات الانتماءات السبعة، إلى قول: "إن هذه الباقة الفريدة من الارتباطات/الانتماءات، تعطي فرصًا هائلة لأي قائد أو حزب سياسي، لأن يسخرها كلها أو بعضها بمهارة وفن، وفق ظروف مصر والمنطقة والعالم، سياسيًا واقتصاديا وعسكريًا، فالدول متعددة الانتماءات أكثر مرونة وتحملًا للصعاب والأزمات والصدمات والمشقات، من تلك التي لم يخصها تاريخها وموقعها إلا بعدد هزيل من الانتماءات، ومن ثم أصبحت مصر بالفعل أكثر حيوية وفاعلية في المنطقة ولها قدرة على الاستمرارية في الحياة والوجود والمساهمة في الحضارة الإنسانية على كافة المستويات. جدير بالذكر، أن مؤلف الكتاب هو المفكر السياسي وأستاذ الهندسة الإنشائية- الدكتور ميلاد حنا، والذي يعد واحدًا من أبرز الكتاب والمفكرين السياسيين، وكان بين من شملتهم اعتقالات سبتمبر 1981، قبيل اغتيال "السادات"، وقد توفى في نوفمبر العام الماضي، عن عمر يناهز 88 عامًا. .وقد ألف الراحل العديد من الكتب المهمة، منها: «أريد مسكنًا» و«نعم أقباط لكن مصريون»، و«ذكريات سبتمبرية»، و«قبول الآخر».