في تلك الأجواء الرمضانية العاطرة ، المملوءة بالروحانيات، والمحملة بعبق انتصار الإرادة العربية ،والتحدي ، وقهر العدوان، تأتي ذكرى نصر العاشر من رمضان، لكنها تختلف عن سابقاتها خلال الأعوام والعقود الماضية، ما جعل رأسي يموج بالكثير من التأملات والذكريات والمعاني. تأتي ذكرى نصر العاشر من رمضان هذا العام ، وقد انتفضت الإرادة على سنوات طوال من القهر، والذل، والهوان، والقمع، فامتلكت جموع الشعب إرادتها ،وأعلنتها مدوية، فأطاحت بأكبر طاغية عرفته مصر في تاريخها الحديث. شاءت الأقدار أن تأتي ذكرى العاشر من رمضان في الوقت الذي يواجه من لقب ب” صاحب الطلعة الجوية الأولى “اتهامات بقتل الشرفاء من أبناء شعبه، الذي تآمر عليه طويلاً خلال سنوات حكمه التي عاث فيها فسادا. إنه صاحب الطلعة الجوية الأولى ، حقا لا ننكر دوره فيها، ولكن هل يكافأ من أدى دورا وطنيا لصالح بلاده، فنغض الطرف عن جرائم سلب ونهب وتخريب وتزوير وقمع الإرادة الشعبية طوال ما يزيد عن ثلاثين عاماً، وهل ما أداه الرئيس المخلوع من واجب وطني ، يعد ثمنا كافيا لكل الذل والهوان الذي تسبب فيه وأسرته وأصدقائه ورموز نظامه الفاسدين. إن من انتصر في العاشر من رمضان ليس المخلوع، وإنما إرادة الشعب الذي صمم على قهر العدو ودحر العدوان ورد الكرامة الجريحة ، فقد هزمنا في نكسة 1967، ولكن لم تهزم إرادتنا ، ولم نغفل عن أعدائنا، فظلت روح القتال متقدة داخل كل فرد في المجتمع، ومن ثم كان الانتصار حتمياً. من مفارقات القدر أو سخريته، أن يشهد شهر رمضان ، هذا العام ، بدأ محاكمة صاحب الطلعة الجوية الأولى ، والذي بطالعة كشف حسابهالمثقل بالديون لهذا البلد ، وشعبه، والمحمل بارتكابه الخطايا الجسام طوال فترة حكمه، من إفقار الشعب وإذلاله، إلى الخيانة ،والعمالة التي وصلت حد تباكي العدو الصهيوني أسفاً، وحزناً عليه، فقد وصفه بنيامين بن اليعازر، وزير التجارة والصناعة الصهيوني السابق ، والعضو الحالي بالكنيست بأنه كان ” كنزا استراتيجيا ” للكيان الصهيوني !!، في حديث نشرته صحيفة ” يدعوت احرنوت” الصهيونية، وقد حاول بن اليعازر، أن يكافيء كنزهم الاستراتيجي بأن عرض عليه أن يمنحه ملاذاً آمنًا في مدينة إيلات ، أو أم الرشراش المصرية، التي شهدت إحدى البطولات غير السبوقة ، والتي تنازل عنها المخلوع للصهاينة . جاء عرض بن اليعازر، كمكافئة نهاية خدمة ، فقد قدم طاغية مصر، للكيان الصهيوني طوال سنين حكمه ، مالم يحققه الصهاينة في المنطقة، وملا يمكن تحقيقه بعده، أيضا، وأدى المطلوب منه بامتياز، من تهاون ، وتماهي في خدمتهم أدى إلى ضياع الحقوق العربية ،ومنح الغاز المصري بلا ثمن، إلى التنازل بإرادته الكاملة عن أراضينا العربية ، والإسهام في احتلال أجزاء أخرى منها، ناهيك عن القيام بدور حاسم وواضح للعيان في وأد الحق الفلسطيني، وحصار أهلنا في غزة، وبث روح الفرقة والخلاف الفلسطيني – الفلسطيني وإزكائها، لمصلحة العدو الصهيوني، وليس أدل على ذلك من محاولات الالتئام والمصالحة التي بدأت ، برعاية مصرية ، أيضا، بمجرد إزاحته عن سدة الحكم في مصر العربية. لعب الرئيس المخلوع دورا حاسما في احتلال العراق، فأسهم بأفعاله الشائنة في إخراج مصر،قلب الوطن العربي وحاضنته ، عن دورها الريادي فيه، ولم يقل جسامة جرمة تجاه إفقاد البلاد لدورها الإفريقي فضاع منها ريادتها للقارة السوداء ، ومكانتها الإسلامية. كلها خطايا للمخلوع في حق البلد الآمن ، وشعبه ، رغم أنه جاء إلى كرسي الحكم محمولاً بانتصار دان به الشعب له طويلاً، فأضاع فرصته التاريخية التي سنحت ، ولن تتكرر حتى جاءت لحظة الحساب ، التي أنكر فيها بغرور متجبر كل جرائمه، فقفذت إلى ذهني صورة القائد ، رحمه الله ، الذي أعلن مسئوليته عن الهزيمة، فتمسك به الشعب الذي شعر أن قائده يفني عمره، لإعلاء كرامة أبناء الشعب، وأن القائد انحاز بجدارة للفقراء منهم سعيا لإنصافهم وتحقيق العدالة الاجتماعية، هزم ناصر في جولة معركة حربية ،لكن لم تهزم إرادة النصرداخل الشعب ، فالتحم برئيسه وهتف ” ناصر ناصر هنحارب”، كان كبيرا حتى في لحظات انكساره،عظيما حتى في هزيمته، شهد له أعداؤه ، وشيعته الملايين باكية، لم تبك شخصه الخالد فينا، وإنما بكت طهارة يده، واعتزازه بعروبته، وشموخه، بكت انحيازه لأبناء وطنه العربي الكبيرالذي أعلى اسم مصر، عالياً، ورفع رايتها خفاقة، لم يهادن ، ولم يستسلم، ورغم ال هزيمة الحربية ،وجه للعدو صفعات وصفعات،ولذا رأينا قائدنا المهزوم محمولا على الأعناق وفي القلوب ،فيما رقد “صاحب الطلعة الجوية الأولى” ، خلق القضبان، في أجواء الاحتفال بالنصر. لا يكفي أن يكون صاحب الطلعة الجوية الأولى ،حتى نتغاضى عن خطاياه، التي أثقلت الميزان، ومن قبله أوغرت صدورنا،فلابد من تحقيق العدالة وصدق القائل ” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب”.