«أرحموه».. هكذا يطلق أحدهم العبارة فجأة على الفضاء الالكتروني ليتحول من مستخدم إلى لوحة تنشين الكترونية، سباب على اتهامات بالعمالة وهلمجرا...«ارحموه» يقصد بها أخينا عضو اللجنة الالكترونية للحزب الوطني، أن يرحم الشعب الرجل الذي أفسد حياة 80 مليون مواطن، وألقى أصدقاء اصدقاؤه ب 1034 مواطن في البحر الأحمر، ودفن بسببه آلاف الأطفال والشباب مصابين بالسرطان والفشل الكلوي والالتهاب الكبدي الوبائي. نرحمه؟ وقد سرق «فلوس الغلابة»، وحطم لثلاثين عاما كاملة، هامة وطن كان عزه يعني أن يرفع العرب جميعا رؤوسهم ولو تحت عار الهزيمة .. وكانت قراراته ترسم مصير الملايين من المحيط إلى الخليط.. وطن كان نوره يشع من القاهرة فنا وثقافة وتنويرا وفقها وسطيا .. وطن أصبح على يديه مرتعا ل«البدو الغلاظ» يحلبون خيره في الداخل، ويضربون ظهر بنيه في الخارج، ويساندون الديكتاتور بفقهاء تربوا على إحسان آل سعود صنيعة الاحتلال الانجليزي، وحلفاء قيصر العالم الأوفياء في واشنطن. لم يكن مبارك رجل واحد.. كان سرطانا بشعاً وجد نفسه على كرسي حكم أقدم دولة في التاريخ، فشغل الوظيفة بمنطق السمسار، وأداء السكرتير، وأخلاقيات العبيد.. كان سرطان مبارك يضرب الجميع كما السم، يفسد تعليما كان فخراً لبلاد علمت الدنيا، ويفكك مؤسسات بناها «السمر الشداد» بالعرق حينا، وبالدم أحيانا أخرى، كي يرفع المرء صوته عاليا وفخوراً بأنه «معجون» بطينة مصر. «استريح ومات»، هكذا يخبرنا تراثنا الشعبي الممتد 7000 عام، هكذا نعرف أن «نوم الظالم عبادة وموته رحمه»، وهكذا أيضا نعرف أن «لكل ظالم نهاية»، وأن النهاية الصحيحة الوحيدة التي تشفي صدور قوم «غلابة» هي أن يسدلون بالأيدي والأسنان «ستارة» 30 عاما من «دولة الاستربتيز السياسي» التي أفقدها العجوز المحبوس، أو حاول، الأمل في الغد، ودفع بشبابها أن يدفنوا أحلامهم في البحر هربا من مصر التي كانت «المحروسة» وتحولت إلى «بلاد العم حسني». المواطن محمد حسني إبراهيم السيد مبارك كان أكثرنا استقامة على الفساد، وأولنا في الحديث عن «العدالة الاجتماعية».. المواطن حسني مبارك، كان يد البلطجي التي تهتك عرض الصحفيات في 2005 لصد مظاهرات الحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية»، وهو أمر التعذيب الذي حضره وأشرف عليه اللواء حسن عبد الرحمن في مكتب مخصوص بمقر أمن الدولة بلاظوغلي، فيما كان الضحية الناشط أحمد ماهر منسق حركة شباب 6 أبريل في 2008، ليعاقبه على إطلاق شعار «خليك في البيت» داعيا لإضراب عام لوقف النهب والتوريث والتعذيب الذي اكتوى بناره. «ارحموه ده عنده 80 سنة»، هكذا يقول «تجار الشفقة» هذه الأيام، يقولونها بكثرة تثير الريبة والحنق معا، يتحدثون عن «عجلة الانتاج» التي عطلتها الثورة، وكأن مصر كانت من الدول الصناعية الكبرى في عهد المخلوع .. يندبون «الخظ العاثر» ويطالبون ب«الاستقرار» وكأنه لم يكونا بنار «المستقرين» 30 عاماً.. يلطمون الخدود على «بابا حسني»، دون أن يدركوا أن العبيد فقط هم من يعشقون جلاديهم، وأن «ابن حاجب المحكمة» الذي أصبح رئيسا في غفلة من الجميع، فرض علينا «أبوته» بالحديد والنار .. بالمعتقلات وقانون الطوارئ والفقر والجهل والتخلف والمرض الذي جعل الحياة مغامرة حتمية الخسائر، والأمل «تهور» والحرية «فوضى» والشهداء «غوغاء وبلطجية» سقط مبارك حين فشل الكذب في تكميم الأمل .. سقط حين لم يعد لدينا شيء نخسره .. سقط حين اكتشفنا فجأة أن موتنا كرامة وجراحنا عزة ووقوفنا في وجه الطاغية طريق أقصر من طريق إيطاليا للخلاص من الحياة تحت حكم الجلادين والمنافين و«كدابين الزقة». سقط مبارك، فتنفس الوطن الحرية مرعوبا من «خطفها».. سقط مبارك فتعلمنا الحياة بلا خوف .. سقط مبارك فبدأنا نكتشف أنفسنا.. سقط مبارك فأخطأنا نعم .. خرج علينا «المهاوييس» من جحور الصمت الطويلة نعم .. اشتعلت بضعة مناطق بالفتنة التي لا ترحم نعم .. لكن الأهم أنه مازال بوسعنا أن نتعلم، ولو بالدم، من أخطاء الممارسة.. مازال بوسعنا أن نبكي فرحا حين نرى الطاغية ذليلا في قفصه، و«معروضا» أمام عيون طالمنا بكت من قنابل الدموع، يشاهده مواطنون نحلهم الفقر، ومزقهم الجهل، وطحنهم المرض وأكمل عليهم الجلادون. في 3 أغسطس 2011، وبعد أكثر من 6 أشهر على انطلاق الثورة والأمل، رأينا مبارك تحت طائلة العدالة .. رأينا «سيادة الرئيس» يرتمي على سريره منتظرا «سيادة القانون».. رأى والد الشهيد قاتل ولده وقد تراجع عنه الخدم والحشم وحملة المباخر ولحاسو الصحون .. رأت زوجة المعتقل من دمر أسرتها وشرد أولادها في قفص حديدي ينتظر مصيره المعلق بين شفتي مستشار محترم .. رأى الناشط والعاطل والسياسي والمفكر والأديب من حاول قتل مصر في 30 عاما لكنه فشل. الله عز وجل، وهو الرحمن الرحيم، لم يرحمه بالموت .. أراده «عبره» وأراد لنا ولمن سوف يخلفه «العظة» .. الله جل في علاه، وهو أرحم الراحمين، لم يأخذه طيلة 30 عاماً من الظلم والفساد والاستبداد «حتى إذا أخذه لم يفلته» .. الله الذي سبقت رحمته غضبه، ترك له الحبل على الغارب كي يشنق نفسه بيديه، وحين يكون طرف الحبل بين أسنان القانون يقولون «ارحموه». على «مليشيات» المخلوع الالكترونية أن «ترحمنا» من سخافات «الراجل العجوز» و«ماكانش يعرف» و«بابا حسني»، فمصر انتصرت على اليأس بالثورة، والنبلاء الذين ضحوا بدمهم انتصروا على الجلادين .. الشهداء انتصروا لمصر .. الأتقياء الذين تمسكوا بالميدان حتى محاكمة المخلوع انتصروا .. الثوار الذين رهنوا حياتهم لإكمال مسيرة الحلم رغم السجن الحربي واتهامات العمالة والتكفير والتخوين انتصروا.. المحروسة بمسلميها وأقباطها انتصرت .. أم الدنيا التي ذاب فيها الإخواني واليساري والليبرالي في جسد واحد هدار طيلة 18 يوما انتصرت .. بلادي التي قررت أن تنفض التخلف وتحاسب الظالم وترسم خريطة المستقبل بلا توريث ولا عسكر انتصرت. نعم مصر انتصرت على العجز والفشل والمرارة .. انتصرت حين أدركت أن الأمل في الشباب .. وأن للثورة ميدان يحميها .. وثوار يدفعون من دمائهم كي ترقص المحروسة طربا في 3 أغسطس ولو كره «المرتجفون» وأصحاب المصالح الضيقة ودراويش «تمام يا فندم». الخلاصة أنا شمتان في جلادك يا مصر .. ألف ألف مبروك