قال محللون إن ما حدث في مصر يضع حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان في موقع دفاعي وأحدهم يشكك بوجود "نموذج تركي" يحتذى في نظر المصريين بالأساس رغم إعلان أردوغان في سبتمبر الماضي بكل ثقة "أصبحنا نموذجًا يحتذى للدول المسلمة". وتلقت السياسة الخارجية التي تنتهجها تركيا لتصوير نفسها نموذجا يحتذى في العالم المسلم انتكاسة بعد تدخل الجيش المصري لعزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي بحسب محللين؛ فحزب "العدالة والتنمية" التركي الإسلامي الجذور الذي واجه مؤخرًا أوسع الاحتجاجات ضده في حكمه المستمر منذ 10 سنوات، نسج علاقات وثيقة مع مرسي وحركة "الإخوان المسلمين" التي ينتمي إليها. وأدى تدخل الجيش المصري للإطاحة بأول رئيس منتخب في البلاد إلى إثارة الدهشة في أنقرة التي عملت لتصوير نفسها محركًا إقليميًا وديمقراطية نموذجية في الشرق الأوسط. وصرح الباحث في مركز كارنيغي أوروبا مارك بياريني لفرانس برس "استنادا إلى عملي في الشرق الأوسط أشك في وجود نموذج تركي شامل في نظر المصريين في أي وقت كان"، وتابع أن "النموذج الوحيد الذي يراه المصريون في تركيا هو السياسة الاقتصادية، حيث أنجزت تركيا بالفعل انضباطا ونموا منذ 2001". ففي ظل حكم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، فاز العدالة والتنمية في ثلاث عمليات انتخابية متوالية منذ 2002، فتسلم اقتصادا واعدا وأنهى حقبة شائكة شهدت حكومات ائتلافية غير مستقرة وتخللتها الانقلابات العسكرية، وفي مؤتمر الحزب السنوي في سبتمبر، قال أردوغان للحشد الكثيف في أنقرة "أثبتنا للجميع أن الديمقراطية المتطورة يمكنها التواجد في بلد ذي إغلبية مسلمة، أصبحنا نموذجا يحتذى للدول المسلمة". وكان مرسي حاضرا من بين أكثر من 100 ضيف أجنبي في المؤتمر الذي كرس أردوغان رئيسا للحزب للولاية الثالثة على التوالي والأخيرة حيث يتوقع أن يترشح إلى الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة في العام المقبل. وبعد يوم على عزل الجيش المصري مرسي، قطع أردوغان عطلته القصيرة ليعقد اجتماعًا طارئا مع رئيس استخباراته ووزرائه، والجمعة ندد رئيس الوزراء التركي بتدخل الجيش المصري قائلا إن "الذين يعتمدون على السلاح في أيديهم، الذين يستندون إلى قوة الإعلام، لا يستطيعون بناء الديمقراطية، فالديموقراطية تبنى في صندوق الاقتراع وحسب". ورأى أوزديم سانبيرك الدبلوماسي المخضرم ونائب وزير الخارجية الأسبق أن تركيا لم تفقد كل المؤهلات لتشكل نموذجًا "لكن تشخيص السياسة الخارجية في حزب العدالة والتنمية للعالم الإسلامي أثبتت خطأها". من الواضح أن تركيا باتت لا تعلم خفايا الشرق الأوسط كما تؤكد"، فحليفتا تركيا في المنطقة، قطر والسعودية، سارعتا إلى تهنئة خلف مرسي الرئيس الانتقالي عدلي منصور، وأثناء حكم حزب العدالة والتنمية أنشأت تركيا مجالس شراكة مع سوريا والعراق ومصر، لكن علاقات تركيا مع دمشق باتت مقطوعة اليوم بعد الأزمة السورية. كما أن علاقاتها بالعراق تشهد توترًا مستمرا بعد رفضها تسليم نائب الرئيس العراقي الفار طارق الهاشمي الذي أدين في بلاده بالوقوف وراء مجموعات قاتلة، وقال سانبيرك "إن العمل الدبلوماسي في الشرق الأوسط محفوف بالمخاطر"، وتابع سانبيرك "يعود ذلك إلى أن العلاقات لا تنسج مع الشعوب بل مع حكام متسلطين وعندما يسحب البساط من تحت هؤلاء تبرز المشاكل". لكن على الرغم من الانتقادات الحادة الصادرة عن المسئولين الأتراك لتدخل الجيش المصري، إلا أنهم أكدوا أنهم لن يقطعوا العلاقات مع القيادة الجديدة التي تتشكل في مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسي، فيما أكد المحللون أن ما حدث في مصر بعد أيام من الأحداث الدامية والتظاهرات المطالبة برحيل مرسي يضع العدالة والتنمية وأردوغان في موقع دفاعي، لا سيما بعد التظاهرات الواسعة النطاق ضد الحكومة التركية التي نفذتها أغلبية من الأتراك العلمانيين ضد أسلمة البلاد وأجندة الحكومة التي تزداد تسلطا. لكن هنري باركي استاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي يشدد على أنه ورغم كل ذلك، ما زال حزب العدالة والتنمية حزبًا كبيرًا و"ما زال فعالا". وأوضح "من ناحية ما يثبت فشل مرسي نجاح العدالة والتنمية الفريد ويعززه". وسعى "العدالة والتنمية" إلى كسر نفوذ الجيش التركي الذي طالما اعتبر نفسه حامي العلمانية التركية ونفذ أربعة انقلابات في نصف قرن، وأودع مئات الضباط في السجن بتهمة التآمر لتنفيذ انقلابات. لكن الدرس الاول من فشل مرسي الذي ينبغي ان تلحظه جميع الحكومات والحركات، هو ان حصر الديموقراطية بالانتخابات لا ينفع بحسب المحللين. وأوضح بياريني أن "الدرس الذي يمكن استخلاصه من الأشهر ال 12 الفائتة في مصر هو أن صندوق الاقتراع لا يمكن أن يحل مشاكل البلاد المعقدة من دون أن يصحبه حوار يشمل مختلف شرائح المجتمع.