الوفد النقابي في جنيف: مصر نموذج للدفاع عن كرامة العمال    الرئيس السيسى يصدق على تعديلات قوانين مجلسى النواب والشيوخ وتقسيم الدوائر الانتخابية    محافظ الإسماعيلية: افتتاح 11 مشروعًا توفر 31 ألف فرصة عمل باستثمارات 600 مليون دولار    مؤسسة أبو هشيمة عضو التحالف الوطني توزع لحوم الأضاحي بمحافظة بني سويف.. صور    اقرأ غدًا في «البوابة».. مُسيّرات وتهديد.. وزير الدفاع الإسرائيلى يأمر بمنع وصول سفينة كسر الحصار إلى غزة    إيران: العقوبات الأمريكية الجديدة غير شرعية وتنتهك القانون الدولي    سيراميكا يتأهل لنهائي الرابطة بعد الفوز على الإسماعيلي    إصابة شخص بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نسرين أمين تحتفل بالعيد بملابس صيفية | صور    قبل انطلاقه بنصف ساعة، إلغاء حفل لؤي في الإسكندرية لهذا السبب    قوافل علاجية ومبادرات صحية تجوب المنوفية في ثالث أيام عيد الأضحى    نصائح لتجنب الإمساك خلال فترة العيد    تقرير: بايرن ميونخ يضغط على ميلان لضم لياو    العودة لباريس أو البقاء مع يوفنتوس.. كولو مواني يكشف عن فريقه في كأس العالم للأندية    أخبار مصر اليوم.. السيسي يصدق على تعديل قانوني مجلس النواب والشيوخ    إعلام عبري: جثة السنوار في قبضة إسرائيل    المجلس الوطني الفلسطيني: إسرائيل حوّلت غزة إلى مقبرة جماعية    أكلات عيد الأضحى.. طرق تحضير الكوارع وأشهى الأطعمة    في ثالث أيام العيد.. مدير معهد بحوث أمراض النباتات يتفقد محطة سدس    رونالدو يكشف: عملت مترجمًا ل ميسي!    فضيلة الإمام الأكبر    براتب 10 آلاف جنيه.. الإعلان عن 90 وظيفة في مجال الوجبات السريعة    إلهام شاهين من الساحل الشمالي.. «الله على جمالك يا مصر» | صور    لدغة عقرب تُنهي حياة "سيف"| المئات يشيعون جثمانه.. والصحة ترد ببيان رسمي    سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق في أمريكا (تفاصيل)    عقرهما كلب شرس.. تفاصيل إصابة طالبين داخل "سايبر" بالعجوزة    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هدف الزمالك.. خطوة واحدة تفصل زين الدين بلعيد عن الوكرة القطري    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    «الحج دون تصريح».. ترحيل ومنع «المخالفين» من دخول السعودية لمدة 10 سنوات    الدفاع المدني فى غزة: الاحتلال يمنع إنقاذ الأحياء فى القطاع    مى عز الدين تتألق في جلسة تصوير جديدة وتعلن عودتها للتفاعل مع جمهورها    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    196 ناديًا ومركز شباب تستقبل 454 ألف متردد خلال احتفالات عيد الأضحى بالمنيا    بقرار من رئيس جهاز المدينة ..إطلاق اسم سائق السيارة شهيد الشهامة على أحد شوارع العاشر من رمضان    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى تطورات الأوضاع فى غزة وليبيا    متحف شرم الشيخ يطلق فعاليات نشاط المدرسة الصيفية ويستقبل السائحين في ثالث أيام عيد الأضحى    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    "سكاكين العيد".. حرب شوارع تنتهي بمقتل شاب في المحلة    ضبط عاطلين بحوزتهما حشيش ب 400 ألف جنيه    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    مراجعة نهائية متميزة في مادة التاريخ للثانوية العامة    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    مصرع وإصابة 14 شخصا في حادث تصادم بالشرقية    4 أبراج جريئة في التعاملات المالية.. عقلانيون يحبون المغامرة وخطواتهم مدروسة    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    أمين المجلس الأعلى للآثار يتفقد أعمال الحفائر بالأقصر    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهندسة الجينية، الاصطفاء الجيني إيديولوجية الأغنياء

أياً تكن الأهداف المعلنة في مجال العضويات المعدلة جينياً، وبالرغم من كون تداعيات هذه الصناعة مرعبة على مستوى الصحة والبيئة ومنتجي القطن في الهند، فإن لها أيضاً وجهاً أكثر عبوساً.
فبهدف الهيمنة على جماعة بشرية ما وضبطها بطريقة غير العنف لا بد من تحصيل قبولها ورضاها عن طريق ما كان يطلق عليه لويس آلتوسير اسم "الأجهزة الإيديولوجية للدولة"، أي نظام التعليم، الملاهي، الدين، النظام السياسي وما إلى ذلك. وفي هذا المجال، يعالج ناعوم تشومسكي في كتابه "صناعة الرضا" مسألة الدور الهام الذي تلعبه وسائل الإعلام في هذا النظام. كما أن أنطونينو غرامشي قد كتب الكثير حول موضوع الاصطفاء الجيني والوسائل المستخدمة من قبل الطبقة المهيمنة من أجل شرعنة وضعها في نظر المحكومين، ما يشكل نوعاً من "الإكراه المقبول" الذي يغطي على الدور الحقيقي الذي تمارسه السلطة.
غير أنه يظل من المرجح أن الاصطفاء الجيني هو الشكل الأكثر عمقاً وناجعية للضبط الاجتماعي. ومن بين الأهداف الأخرى لهذه الفلسفة تقليص القدرة على إنجاب "الأفراد غير المرغوب فيهم".
وعليه تتزايد الخشية من أن يستخدم الاصطفاء الجيني في ضبط جماعات بشرية والتخلص بذلك من شرائح كاملة من سكان العالم المنظور إليهم على أنهم "فائضون عن الحاجة". ففي الغرب سيتحول قسم كبير من السكان بشكل نهائي إلى عاطلين عن العمل، أو إلى عاملين ثانويين بفعل الأتمتة وهجرة أماكن العمل. لذا، فإن ضبط الولادات قائم منذ عقود في بلدان كالصين والقارة الإفريقية.
وبهذا الصدد، يعتقد تيد تيرنر، الملياردير وعملاق الإعلام في الولايات المتحدة بأن تقليص عدد سكان الأرض إلى ملياري شخص هو أمر جيد تماماً. أما الملياردير بيل غيتز فقد وعد بتقديم مئات الملايين من الدولارات للدفع إلى الأمام بوسائل منع الحمل في البلدان النامية. ففكرة العدد المحدود من البشر، وهي فكرة تستند إلى الاعتبار الخاطئ بأن العالم قد ضاق بساكنيه، تعني أن النخب الأكثر يسراً يمكنها أن تحد من التنافس على تملك الخيرات التي تطمع بالاستيلاء عليها، وأن تحافظ بذلك على مستوى استهلاك مرتفع. كما اشترى غيتس أيضاً أسهماً في شركة مونسانتو بقيمة 23 مليون دولار. فهو يريد مساعدة مونسانتو على نشر العضويات المعدلة جينياً على أوسع نطاق ممكن في إفريقيا.
ولكن أين موضع الأهمية في ذلك ؟ في العام 2001، قامت شركتا مونسانتو ودوبون بشراء منشأة صغيرة تعمل في مجال التكنولوجيا العضوية اسمها "أيبيسيت". وكانت هذه المنشأة قد اخترعت جينة تسبب العقم عند الرجال والنساء. كما أن المأكولات المعدلة جينياً باتت موجودة في أسواق الولايات المتحدة وهي لا تحمل تنبيهات تدل على أنها كذلك. وقد أنفق قطاع العضويات المعدلة جينياً ملايين الدولارات من أجل المحافظة على هذا الوضع. إذن، فإن مواطني الولايات المتحدة ليست لديهم أية فكرة عما يمكن أن يكون موجوداً في طعامهم. وليست هنالك دراسات مستقلة حول تأثير هذه الأطعمة على الصحة. لقد كان والد بيل غيتس ناشطاً ولفترة طويلة في مجال برامج تنظيم الأسرة والحد من الولادات.
وقد قال بيل غيتس في مقابلة أجريت معه عام 2003 : "عندما كنت صغيراً، كان والداي يشاركان دائماً في أعمال تطوعية. وكان والدي يترأس منظمة التنظيم الأسري". وكانت هذه المنظمة مؤسسة على المفهوم القائل بأن معظم الكائنات البشرية تتوالد بطريقة غير مسؤولة. إن غيتس الأب هو رئيس مؤسسة بيل وميلاندا غيتس، وهو من يشرف على رؤى وتوجهات هذه المؤسسة التي تركز نشاطها على نشر العضويات المعدلة جينياً في إفريقيا، وتقوم بتمويل جمعية "التحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا".
لقد دفعت مؤسسة غيتس ما لا يقل عن 264 مليون دولار لجمعية التحالف المذكورة أعلاه. ويقول تقرير نشرته مجلة La Via Campesina (طريق الفلاحين) في العام 2010 بأن 70 بالمئة ممن يتلقون أموالاً في كينيا من التحالف المذكور يعملون مباشرة مع مونسانتو، وأن 80 بالمئة من أموال مؤسسة غيتس مخصصة للأبحاث في مجال التكنولوجيا العضوية. ويقول التقرير أيضاً بأن مؤسسة غيتس قد وعدت بمنح 880 مليون دولار من أجل إنشاء "البرنامج العالمي للزراعة والأمن الغذائي"، وهو برنامج شديد الحماس للعضويات المعدلة جينياً.
فبدلاً من أن تتبنى مؤسسة غيتس وتدعم انطلاقة حقيقية للسيادة في مجال الغذاء، وبدلاً من أن تتصدى للمشكلات الاقتصادية والسياسية التي تشكل مصدر الفقر، اختارت تلك المؤسسة أن تشجع زراعة تسيطر عليها الشركات الخاصة التي نهبت المزارعين.
وفي حين يواصل قطاع العضويات المعدلة جينياً قرع أبواب الهند، فإن من حقنا جميعاً أن نشعر بالقلق. ليس فقط إزاء التداعيات المشؤومة على مستوى الصحة والبيئة لاحتكارات البذور من جهة، وللعضويات المعدلة جينياً من جهة أخرى، وهي تداعيات باتت موثقة، بل أيضاً إزاء أنواع الجينات التي يمكن أن تدخل في أطعمتنا دون أن نشعر بذلك.
يؤكد الباحث ف. ويليام انغدال أننا لا يمكن أن نفهم الهندسة الجينية دون أن نلحظ هيمنة الولايات المتحدة قبل ذلك. إن شخصيات مرموقة في الولايات المتحدة قد قدمت التمويل ل "الثورة الخضراء" داخل القطاع الزراعي في البلدان النامية بهدف إيجاد أسواق جديدة للأسمدة البتروكيميائية والمواد النفطية، وكذلك بهدف تعزيز تبعية المنتجات في مجال الطاقة. وعليه، تكون الأغذية قد أصبحت اليوم سلاحاً يضمن الهيمنة على العالم.
إن مشكلات العالم ليست ناجمة عن تزايد السكان، بل عن البخل وعن نظام للملكية يضمن تدفق الثروات من القاعدة نحو القمة. لا ينبغي وقف التزايد السكاني بل تغيير العقليات وتغيير نظام دولي معمم ومؤسس على التبعية الكبيرة إزاء المواد النفطية، وعلى اجتثاث المصادر الطبيعية للثروة. والولايات المتحدة هي، في كل ذلك، المذنب الرئيسي.
إن أصحاب المليارات من أمثال تيد تيرنر يعتقدون بأن مواصلة الاستهلاك ضرورية بأي ثمن، حتى ولو مر ذلك بتقليص أعداد البشر. إنها إيديولوجية الأغنياء الذين ينظرون إلى غيرهم من البشر على أنهم مشكلة "ينبغي التصدي لها". فهو يؤكد أن "هنالك أعداداً فائضة عن الحد من البشر، وأنهم يستخدمون أعداداً فائضة عن الحد من الأشياء". إنه يمضي في الغلط إلى مداه الأقصى. فعلى سبيل المثال، يعيش في البلدان النامية أكثر من 80 بالمئة من سكان الكوكب، ولكنهم لا يستهلكون إلا ثلث الطاقة في العالم. أما سكان الولايات المتحدة فيستهلكون من جهتهم 24 بالمئة علماً بأنهم لا يشكلون غير 5 بالمئة من سكان الكوكب. إن المواطن الذي يعيش في الولايات المتحدة يستهلك بقدر اثنين من اليابانيين، وستة من المكسيكيين، و13 من الصينيين، و31 من الهنود، و124 من البنغاليين، و307 من التنزانيين و370 من الإثيوبيين.
أليس علينا إذن أن نقلق إزاء قطاع مستحكم إلى أبعد حد من الناحية السياسية ويمتلك تكنولوجيا تسمح له بأن يتلاعب بالأطعمة عن طريق الجينات، ومنها جينات يمكن أن تستخدم (أو أنها باتت تستخدم فعلاً) في التعقيم الإجباري ؟ طبعاً علينا أن نقلق، لأن الهدف المعلن لذلك القطاع هو التحكم بالسلسلة الغذائية، ومن ثم، ضمنا، بعدد السكان على ظهر الكوكب.
في عالم اليوم الذي تقوده التكنولوجيا، تقوم الشركات الحكومية والخاصة باستخدام ترسانة كاملة من الوسائل التكنولوجية المتقدمة بهدف التحكم بنا. قبل عدة عقود، لخص المنظر والفيلسوف هربرت ماركوزه المشكلة التي تواجهها المجتمعات المعاصرة قائلاً بأن القدرات العقلية والتكنولوجية في هذه المجتمعات قد أصبحت أكبر مما كانت عليه في الماضي، ما يعني أن وطأة هيمنة المجتمع على الفرد هي أيضاً أكبر مما كانت عليه في الماضي. وهذا يصح تماماً على مجال الهندسة الجينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.