بنت أرض الفيروز.. تلك المرأة السيناوية التى شاركت الرجل فى كفاحه وانتصارته وهزائمه تعيش فى ظروف بيئية لا تقوى سيدات المدن والعواصم عليها.. فرغم عناء سنوات طويلة من الحروب؛ لكون سيناء بوابة مصر الشرقية، منذ الهكسوس حتى الصهاينة، إلا أنها لم تكلَّ أو تملَّ.. ما زالت تقف بشموخ وعزة وكبرياء.. تواجه الحرمان من الخدمات، والفقر والجهل وغياب التنمية التى هي عدو جديد يضرب أرض الفيروز ويهدد سلامها الاجتماعي. وفى ذكرى تحرير أرضها.. حرص "البديل" أن يشارك المرأة السيناوية، ويرصد آلامها وآمالها، والتحديات التى تواجهها بعد ثورة 25 يناير. عن مشاكل المرأة السيناوية تقول سوسن حجاب رئيس جمعية حقوق المرأة بالعريش "إن مشكلاتها مرتبطة ونابعة من طبيعة المجتمع البدوى وثقافته الذكورية القبلية المعادية للمرأة وطموحها، ويمكن ترجمة هذا المناخ فى ضعف المشاركة السياسية للمرأة فى شمال سيناء، بالإضافة إلى غياب تولى المرأة للمناصب القيادية العليا بالمحافظة، رغم أن نسبة تمثيل المرأة فى العمل 28%". وأشارت إلى أن هناك ارتفاعًا فى تسرب الفتيات من التعليم؛ نظرًا لعدم وجود الخدمات التعليمية الكافية على مستوى المحافظة، مضيفة أن هناك قرى بعيدة فى وسط سيناء كنخل والحسنة تنقطع فيها الفتاة عن المدارس الإعدادية أو الثانوية؛ بسبب بعد هذه المدارس عن سكنهن، والذي يصل إلى 4 كيلو متر، خاصة في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده سيناء ومصر كلها؛ مما يضطر الأسر لأن تكتفي بالمرحلة الابتدائية فقط. وأشارت حجاب إلى أن مشكلة المراة السيناوية مرآة عاكسة لكل أزمات محافظة شمال سيناء، التى تغيب عنها التنمية الشاملة، فرغم أنها من أغنى المحافظات، إلا أنها الأفقر فى الخدمات، حيث تعاني من ارتفاع البطالة والفقر الشديد، فتتحمل المرأة وحدها أعباءً كثيرة؛ فهى عمود البيت السيناوى، تشارك زوجها خارج وداخل المنزل، خاصة المرأة البدوية التى تعمل بالرعى والزراعة وتربية الأبناء فى نفس الوقت. فيما ترى سناء جلبانة رئيس اللجنة الإقليمية لفرع المجلس القومى للأمومة والطفولة بالعريش أن حال المرأة ينتقل من سيئ إلى أسوأ، لاقتة إلى أن كل إنجازات المرأة التى حققتها طوال سنين ماضية تضيع مع تيارات الإسلام السياسى التى تحكم البلاد، والتى توجه خطابًا معاديًا للمرأة يبعدها عن المشاركة فى التنمية، فغاب تمثيل المرأة السيناوية في برلمان الثورة مثلها مثل باقى سيدات مصر، ولم يصل سوى سيدات ينتمين للحزب الحاكم وهن أشد عداوة للمرأة من الرجال، وكل همهن الختان وخفض سن زاوج الفتيات. ونفت جلبانة احتكاك الجماعات الجهادية بالنساء فى سيناء وفرض زى معين عليهن، مشيرة إلى أن طبيعة المجتمع القبلى تمنع ذلك، فكل عائلة لن تسمح لأحد بالتحكم في نسائها، ولن تجرؤ هذه الجماعات من الاحتكاك بالمرأة البدوية. وطالبت جلبانة بضرورة تحسين أوضاع المرأة المعيلة بسيناء، خاصة فى المناطق المحرومة بوسط سيناء والشيخ زويد ورفح، حيث تعانى المرأة من الأمية والجهل والفقر، ويغيب عن هذه التجمعات البدوية البعيدة كل أشكال التنمية من مدارس ووحدات صحية وأماكن ترفيه من مراكز شباب وقصور ثقافة، ومن ثم تتحكم العادات والتقاليد البالية التى تدفع بزواج الفتيات فى سن صغيرة، بالإضافة إلى ارتفاع نسب الطلاق والخلع بين شباب المتزوجين. وأشارت جلبانة إلى ارتفاع نسب العنف الممارس ضد المرأة والأطفال وعمالة الأطفال، مؤكدة إلى أن المجلس القومى للأمومة والطفولة لن يتمكن من وقف هذه الحالات من العنف في ظل غياب الغطاء الأمنى الذى يدعم تلك اللجان عند تدخلها لوقف هذه الانتهاكات. ولفتت جلبانة إلى ظاهرة غريبة على المجتمع العريشي انتشرت بعد الثورة، وهي أطفال الشوراع، المنتمين إلى محافظات أخرى، والذين وفر الانفلات الأمني لهم تواجدًا في العريش حولها بعد انتشار أعمال العنف والبلطجة إلى مدينة للأشباح. من جانبها قالت هناء يعقوب مقررة المجلس القومى للمرأة بشمال سيناء سابقًا "المشكلة الكبرى للمرأة الصحراوية التى تعيش فى التجمعات القبلية النائية بنخل والحسنة أنها خارج أى شكل للتمدن، فتعانى من الجهل وغياب التعليم والحالة الاقتصادية المتردية وغياب الرعاية الصحية لها ولأطفالها". أما عن المشكلات الأخرى للمرأة السيناوية والتى لا تواجه أى سيدة فى المحافظات الأخرى، فهى غياب توثيق عقود الزواج، والتى تسمح بالزواج فى سن صغيرة، عن طريق الجلسات العرفية، وهو زواج محكم عليه بالفشل؛ لغياب اكتمال وعى الفتاة ونضجها الجسدى والنفسى؛ لذا يترتب عليه الطلاق بعد شهور قليلة. وأشارت يعقوب إلى أن عدم توثيق هذه العقود يترتب عليه مشكلة للأطفال، والذين بطبيعة الحال يعانون من عدم توثيق شهادات الميلاد، ومن ثم صعوبة الإجراءات فى الالتحاق بالمدارس أو الجامعات واستخراج بطاقات الرقم القومى؛ لذا يجب ان يتم توفير دعم مادى يستهدف توثيق عقود الزواج على مستوى المحافظة بأكملها وليس بالمناطق القريبة كالعريش، والتوغل فى مناطق نخل والقسيمة ورفح والشيخ زويد والوصول إلى أبعد تجمعات قبلية. وقالت يعقوب إن المجلس القومى للمرأة بدأ تنفيذ برنامجًا استهدف تدريب 49 رائدة ريفية؛ ليكنَّ بمثابة قياديات طبيعية محببة ومفضلة مع القبائل والتجمعات؛ نظرًا لخصوصية المجتمع السيناوى المنغلق على نفسه، وعن طريق هذه الرائدات يقوم المجلس بتوعية المرأة السيناوية اجتماعيًّا وتثقيفيًّا وتعليميًّا، ومساعدتها على الحصول على قروض من الصندوق الاجتماعى لإقامة مشروعات صغيرة. وتطالب إلهام أبو حية منسق صناع الحياة بالعريش بالدعم والتمكين الاقتصادى والاجتماعى والتعليمى للمرأة السيناوية، وتنفيذ برامج تنمية حقيقية لها، تنطلق من اقتراحات واحتياجات المرأة السيناوية نفسها، وليست برامج تأتى من العاصمة؛ ومن ثم يصعب تطبيقها على أرض الواقع. وأكدت أأبو حية أن هذا التمكين الاقتصادى يحرر المرأة من عبودية الاحتياج للجمعيات الأهلية التى تتسول منها للحصول على سلع غذائية أو تموينية، بل من ضيق الحال تضطر كل سيدة لتسجيل بياناتها فى أكثر من مكان للحصول على دعم مادى من شنط رمضان والسكر والزيت، واختتمت أن هذا التمكين سيجعل المرأة السيناوية قوة دافعة للمجتمع لا عبئًا عليه.