أربعة عشر قرنا وسبع وثلاثون عاما تمر اليوم علي ذكرى البدء في إنشاء الجامع الأزهر والذي يعد للعالم الإسلامي المنارة و المصدر الراسخ للدين الوسطي والمعتدل وغير المحرف عن الكتاب والسنة الشريفة كأحد المصادر الرئيسية للتشريع. أنشئ الجامع الأزهر في 24 من جمادي الأول عام 359ه والموافق 4 إبريل عام 970م وبدأ العمل علي يد جوهر الصقلي وتم تشييده وافتتاحه للصلاة في رمضان عام 561ه الموافق لشهر يوليو عام 972م، ويعد أول مسجد يقيمه الفاطميين في مصر وكان يهتم بنشر المذهب الشيعي وبخاصة مذهب الفرقة الإسماعيلية إلا أنه في عهد صلاح الدين الأيوبي تم إغلاقه المسجد ومنع الصلاة فيه وإلقاء خطبة الجمعة، واستمر الجامع الأزهر مغلقا قرابة ال100 عام إلى عهد الظاهر بيبرس الذي أعاده للحياة وتعاظمت مكانته وتحول إلي جامعة لتدريس علوم الفقه والدين وشمل كافة الأقطار والبلدان إلي جانب عودة الجانب الديني به من إلقاء خطب وصلاة وذكر. وبمناسبة هذا الحدث الهام حصل "البديل" على مجموعة من التصريحات لعدد من المؤرخين والعلماء الذين تحدثوا عن أهمية الجامع الأزهر ، والدور الرئيس الذي لعبه طوال تلك القرون لنشر الإسلام الوسطي والحفاظ على صحة الرسالة الإسلامية بعيدا عن التجاذبات سواء السياسية أو المذهبية. وقال الدكتور مختار الكسباني أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة القاهرة : "أن الجامع الأزهر يرجع نشأته لعهد المغز لدين الله علي يد جوهر الصقلي خلال العام 970 م ،وتوجه الدولة الفاطمية الاهتمام بنشر المذهب الشيعي في مصر وبخاصة المذهب الاسماعيلي والذي كان يميز الفاطميين في ذلك الوقت، مؤكدا انه لم ينتشر في البلاد وانتهي بسقوط الخلافة الفاطمية 1167 م / 562 ه علي يد صلاح الدين الأيوبي ونجم الدين محمود. وأضاف أن طبيعة أهل مصر طبقا لما أورده مؤرخو الشيعة عن المصريين بأنهم "شيعيو الهوي سنيو المذهب والعقيدة" خاصة وأنهم محبين لأهل البيت وتجلي ذلك منذ مجيء السيدة زينب رضي الله عنها لمصر لزيارة أخوالها ومكثت في مصر واعتبرها المصريون تاجا علي رأسهم وتبركوا بها ، لافتا إلي أنهم يوقنون أنها مرتبطة تاريخيا بالسيدة هاجر عليها السلام أم النبي إسماعيل عليه السلام جد النبي صلي الله عليه وسلم وبالتالي فإن أصلها يمتد لأهل مصر. وأشار الكسباني إلي أن الدولة الفاطمية لم تستطع قبل سقوطها أن تغير الهوية المصرية وفهمها للدين الإسلامي الوسطي خاصة ، وأن الشعب المصري لديه فطرة دينية واضحة لا يمكن أن تتغير، مشيرا إلي أنه منذ تولي القائد صلاح الدين الأيوبي حكم مصر عام 564ه/1169م، قام بنقل صلاة الجمعة والخطب الدينية من الجامع الأزهر إلي مسجد الحاكم واهتم بنشر المذهب السني في البلاد، إلا أنه في عهد السلطان بيبرس تعاظم دور الأزهر الشريف ليعود مرة أخرى منارة علمية وجامعة كبري لتدريس الفقه الإسلامي تمتد لكل العصور. واعتبر الكسباني "السلطان بيبرس" أنه من رسخ قواعد الاهتمام بالأزهر وتعاظم مكانته، قائلا:" لولا الأزهر لكان المسلمون قتلوا بعضهم بعضا". وأضاف الكسباني : "أن الأزهر يمتاز بوسطية منهجه الفكري والديني، لافتا إلي أن جميع التيارات الدينية الموجود علي الساحة سوف تتداعي كالهشيم خاصة وأنها لا تتبع منهجه والذي انتشر في دول العالم والذي يعبر عن الإسلام الصحيح والحقيقي، واصفا مؤسسة الأزهر بأنها الدرع الواقي لصحيح الشريعة الإسلامية والتي ينحني أمامها جميع التيارات والطوائف الأخري". وأشار الكسباني إلي أن الأزهر له مكانة عالمية وليست مصرية فحسب، معتبرا أن وجوده يضيف ثقلا لمصر، رافضا ما يتم ترديده بأن دوره تراجع منذ نشأته وحتي الآن، مؤكدا أنه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان هناك توجها منه في تخريج دفعات من جامعات الأزهر من الكليات المسماة ب"كليات دنيوية"، معتبرا إياها بأنها ساهمت في توثيق الصلة مع إفريقيا وهو ما انعكس علي علاقاتنا مع تلك الدول بسبب الأزهر. و في نفس السياق، أكد الدكتور "عاصم الدسوقي" أستاذ التاريخ الحديث وعضو الجمعية للدراسات التاريخية، أن الجامع الأزهر لم يكن له شيخا منذ إنشاؤه، ولكن كان يسمي ناظر أموال وكان في عهد الدولة العثمانية إلي أن تم إنشاء مشيخة للأزهر، والتي اختصت بتعيين شيخ للأزهر و ممثلا للطوائف الدينية الأخري. وأكد الدسوقي على أن الأزهر لايزال مشتهرا باعتدال منهجه لهضمه لجميع الأفكار والمدارس الفقهية ووصوله من خلالها إلى المنهج المعبر عن الإسلام الوسطي الصحيح. و قال الدسوقي : "كان شيوخ الجامع يقومون بعمل حلقات للتدريس، حيث يقوم الشيخ بإسناد ظهره علي أحد أعمدة المسجد فيما عرف لفظا ب"شيخ عامود" لأن طلبة العلم كانوا يلتفون حوله في حلقة دائرية لتلقي الدروس. وأضاف أنه في عام 1869م تم إنشاء مجلس إدارة للأزهر، بحيث تكون مشكلة من كل ممثلي المذاهب المختلفة، لافتا إلي أن أحد الشيوخ وكان يدعي الشيخ الهلباوي ويتبع المذهب المالكي، وكان يغدق علي تلامذته التابعين لمذهبه الأموال والمنح التي كانت ترد للمسجد دون غيرهم من الطلبة، مما تسبب في ثورة ضده، الأمر الذي جعل الدولة تتدخل، وعينت لشيخ الأزهر6 شيوخ منهم 4 ممثلين للمذاهب المختلفة و2 منهم يمثلا دار الإفتاء، ووزارة الحقانية. ولفت إلي أنه خلال العام 1911 صدر قانون إصلاح الأزهر و إنشاء هيئة كبار العلماء وتخصيص ميزانية للأزهر من موازنة الدولة، أما في عام 1961 تم إنشاء هيئة الشئون الإسلامية والمختصة بكل ما يتعلق بالدين الإسلامي. وقال إن المصريين لم يقبلوا بالحملة الفرنسية ولا الإحتلال الانجليزي علي مصر ، خاصة وإنهم جاءوا غزاة كما انهم لم يحترموا مقدساتهم الدينية ،كما قامت جيوش نابليون بتدنيس الجامع الأزهر، مؤكدا ان الأزهر سيظل منارة للإسلام الوسطي والمعتدل. وأكد الدسوقي ان أهم ما يميز فكر الأزهر بأنه يعتمد علي فقه المقاصد أي أنه ينظر للفتاوى والآراء التي تحل مشكلات المسلمين دون تعقديهم او تكفيرهم ودون ان يوجد بينها أي تعارض من الكتاب والسنة، معتبرا زعماء التيارات الأخرى بأنهم تربوا خارج مؤسسة الأزهر ولولا ذلك ما كانوا متطرفين جملة وتفصيلا.