عبر مسيرة تمتد لنحو ثلاثة عقود، استطاع أستاذ الأدب الأندلسي بكلية الآداب بجامعة القاهرة الدكتور سليمان العطار نشر ودعم اللغة الإسبانية وترجمة آدابها، حيث بدأ هذه المسيرة بترجمة رواية الكولومبي "غابرييل غارثيا ماركيز" رائعة "مئة عام من العزلة"، وكان ذلك قبل حصول ماركيز على نوبل عام 1982. وتكريمًا لجهود العطار في نشر الثقافة الإسبانية؛ منحته ملكة إسبانيا مؤخرًا "وسام الاستحقاق المدني". ولا يعد العطار مترجمًا أو مثقفًا فقط، بل إنه صاحب رؤية سياسية، وهذه الرؤية قائمة على نبذ التمذهب والتطرف، ورغم تشاؤمه من المشهد السياسي المصري الذي يراه خطيرًا ومقلقًا، إلا أنه يؤكد أن المفتاح ما زال في يد الشعب. التقى "البديل" به، فكان هذا الحوار * حصلت مؤخرًا على وسام الاستحقاق الإسباني في الترجمة، لتحكِ لنا عن هذا الوسام؟ ** وسام الترجمة الذي حصلت عليه هو الوسام رقم 2 في إسبانيا، ويطلق عليه وسام "ألفونسو الحكيم" وهو الملك الذي ارتبط اسمه بمدرسة الترجمة في توليدو، حيث أشرف على ترجمة الحضارة العربية إلى اللاتينية. * كنت أول من ترجموا رواية "مئة عام من العزلة" لماركيز، هل هناك روايات أخرى قمت بترجمتها من الإسبانية إلى العربية؟ ** ترجمت رواية "مدينة القياصرة" لمانويل روخاس، وهو كاتب وروائي تشيلي، والرواية تتحدث عن مدينة خالية مختفية داخل غابة، وهذه المدينة عندما وصل إليها غرباء من الباحثين عن الذهب في الأنهار فوجئوا بأشياء مذهلة منها أن الناس يشربون في أكواب من الذهب ويعيشون في عشش من الذهب أيضًا، والرواية بها الكثير من تقنيات مائة عام من العزلة التي أتمنى أن تستخدمها الرواية العربية، كما أن حبكتها تخلق تشويقًا شديدًا عند القارئ، وسأسعى لنشرها رغم أنني لا أحب النشر؛ لكي أنقل هذه التقنيات الي الرواية العربية، كما ترجمت أيضًا رواية "خلية النحل" لسيلا، وهذه الرواية مهمه جدًّا بالنسبه لنا؛ لأن سيلا حصل على جائزة نوبل في السنة التالية لنوبل نجيب محفوظ، و"خلية النحل" هي عمل سيلا "العمدة" يتحدث فيها عن اضطهاد فرانكوا للثوار في ظل اليمين المتطرف في إسبانيا، ورفضت الرقابة نشرها، وأكدت أن الرواية خليعة ومليئة بالفساد، ونتيجة لذلك اكتأب سيلا وذهب إلى بيته؛ ليضع الرواية في الفرن، ولكن زوجته أنقذتها من الحريق، ثم جاءت شركة أمريكية عرضت عليه نشر الرواية في الأرجنتين، فوافق سيلا ووزعت الرواية في شهرين أكثر من مليون نسخة، وقال سيلا بعد نجاح الرواية "لم أعد أحتاج إلى نقود بعد الآن، المال الذي حصلت عليه من خلية النحل يكفيني لاستكمال حياتي"، أما رواية "تقرير عن موت معلن" التي ترجمتها أيضًا ولم أنشرها حتى الآن فهي إحدى روايات ماركيز تستحق اهتمامًا كبيرًا؛ لأنها رمز لعمليات الاغتيال التي تجري في العالم، وأرى أن نشر الرواية مفيد في هذا التوقيت؛ لأن من نطلق عليهم الشهداء الآن موتهم موت معلن أيضًا. * وماذا عن أعمالك الروائية؟ ** منذ عشرين عامًا كتبت رواية "أيام النوم السبعة" وصدرت مؤخرًا عن دار نشر "تجليات"، وتتناول الرواية الفساد في المجتمع المصري في فترة الثمانينيات، وبطلها مهندس حاول أن يوقف الفساد، فتمت السيطرة على عقله وتحويله إلى مجنون، ثم دخل في إغماءة لمدة سبع سنوات، وبعدها خرج ليتعرف على عالمه من جديد. * أين تقع الرواية المصرية والعربية من روايات أمريكا اللاتينية؟ ** الرواية تعريفها يقوم على أن الروائي لا بد أن ينقل شريحة كاملة من المجتمع إلى العمل الروائي، وهو عمل شبه مستحيل بالنسبة لمجتمع ما زال يدين بالعادات والتقاليد الخاصه بالعصور الوسطى وما زالت بنيته العقلية تقوم على النظرة الجزئية للعالم، وهنا تبدو عظمة نجيب محفوظ؛ لأنه بالفعل هو الذي خلق الرواية العربية، واستطاع أن يقدم للروائيين من بعده كيفية التغلب على النظرة الجزئية، فالرواية عند محفوظ هي عمل مسرحي ودرامي متكامل، الحارة عنده ثلاث خشبات للمسرح، وهناك عدد من الروائيين الذين استطاعوا التقاط هذا الخيط من نجيب محفوظ، وأصبح المكان هو البطل الرئيسي في رواياتهم مثل إبراهيم أصلان، وإذا نظرنا إلى الروايات المصرية الآن، سنجد المكان مبعثرًا، حيث يقدم لنا الروائي عالمًا مشتتًا مبعثرًا ويتشبث بما يسمى شخصيات الرواية، ويتحول الروائي إلى مخبر يجري وراء شخصيات روايته والقارئ يجري وراء المخبر، كما أن الرواية تحدث فيها تطورات وثورات كل بضع سنوات، ونحن لا نشارك فيها؛ لأن الكتب والروايات العظيمة لا تترجم إلى العربية إلا بالصدفة، فمثلاً نحن لا نترجم روايات أمريكا الجنوبية التي حصلت على عدد من جوائز نوبل، ونالت اهتمامًا عالميًّا كبيرًا، حتي إنني أعتقد أن فوز الأديب الصيني مويان بجائزة نوبل جاء نتيجة اهتمامه بروايات أمريكا اللاتينية. لديَّ روايات مترجمة لماركيز ولم أنشرها نجيب محفوظ هو الذي خلق الرواية الحديثة ولم يأتِ روائي عربي بقامته روايتي "أيام النوم السبعة" تسرد حكايات الفساد في الثمانينيات والتي أدت للواقع الحالي