تناول العديد من الكتاب سيرة حسنى مبارك من منظور سياسى واجتماعى واقتصادى... الخ. ومع استنكار العديد من أصحاب الأقلام لطول مدة مبارك فى الحكم وتشبيهه بالحكام الفراعنة، رأينا أن نتناول سيرة مبارك من منظور أثرى، أى ربطه بالأحداث التى انتهت بإجباره على ترك الحكم وغيرها بالمقارنة بما جرى فى التاريخ القديم. فبداية نشير إلى أحداث احتفالات عيد الشرطة والتى واكبت شرارة الثورة التى أطاحت بمبارك, فتجدر الإشارة إلى أن الحضارة المصرية القديمة لم تقم على التعذيب - على عكس ما يظنه البعض - والأدلة كثيرة، ومنها: وجود أكثر من 300 عيد فى السنة، أى أن العام كان كله أعياد.. والنقوش المرسومة على جدران المعابد توضح الرقى والرفاهية فى الموسيقى والغناء وأيضا التشييد والبناء والانتصارات على الأعداء، والأمثلة التى يضربها البعض عن وجود تعذيب فى عهد الفراعنة كلها مردود عليها، فالقول بأن بناء الأهرام تم بالسخرة لا يستقيم مع اكتشاف مقابر للعمال بجوار الأهرامات, بل كان بناء الأهرامات مشروعًا قوميًّا يشارك فيه كل أفراد الشعب بحب. أما عن ادعاءات بنى إسرائيل بتعذيب فرعون لهم فمردود عليها، فليس هناك دليل قاطع على تعذيب الحُكام لهم, خاصه أن المصريين القدماء كانوا يدونون كل الأحداث على نقوش المعابد وأوراق البردى وغيرها.. وحتى بفرض غير ذلك فإن الشعب المصرى لم يكن يقر التعذيب بدليل أنه منح (أعار) بنى اسرائيل الحُلى والذهب والفضة، حيث زعم بنو إسرائيل أنهم سيحتفلون بعيد الفصح بينما كانت فى نيتهم السرقة والغدر والهرب.. وهم لا ينكرون هذه الواقعة حتى اليوم، وليس من المنطقي أن يمنح شخص أغلى ما يملك عن طيب خاطر ويكون مُحبًّا ومُقرًّا للتعذيب، فقد كانت حقوق الإنسان لدى قدماء المصريين تفوق أضعاف ما هو فى العالم الحالى. أما عن مناظر الاعتداء المنقوشة على جدران المعابد فكانت إشارة ودليلاً على القوة ضد أعداء الوطن وأشهرها انتصارات مينا وانتصارات رمسيس الثانى فى موقعة قادش وغيرها من الانتصارات. وربما لم يعثر علماء الآثار على منظر للتعذيب سوى ما كشف عنه العالم الأثرى الكبير د. نجيب قنواتى فى ندوة له باتحاد الآثاريين العرب عن حفائر جبانة "تى تى" بسقارة, حيث كشفت صور النقوش عن وجود وزير فرعون يُدعى روكا كان يمارس التعذيب, ويصور ممارسته من خلال صور نقوش يتم تدوينها على المقابر وهى أول صورة للتعذيب وقت الفراعنة بجانب صورة أخرى لوزير فرعونى يمسك شخصًا من قفاه.. إلا أن د. قنواتى أكد أن هذه الصور كانت كحالة شاذة واستثانية؛ إذ إن الحضارة الفرعونية لم تقم على التعذيب. ومن المفارقات أن تلك المقابر ضمن المقابر التى تم نهبها فى أحداث الثورة بسبب ما فعله حبيب العادلى وأعوانه من خلل أمنى.. وحتى اسم الوزير الفرعونى القائم بالتعذيب "روكا" يتوافق مع اسم دلع وزير الثقافه "روقا" المتسبب فى ضياع الآثار. اما التعذيب الحقيقى فكان للأسرى؛ لإثبات هيبة الدولة وتخويف الأعداء من إعادة أو محاولة الاعتداء. مبارك الثامن ! أما عن ترتيب ملوك الفراعنة الذين مكثوا مدة طويلة فى الحكم فهم كالتالى: 1- رمسيس الثانى (الأسرة التاسعة عشرة - الدولة الحديثة) حكم 66 سنة 2- منتوحتب الأول (الأسرة الحادية عشرة - الدولة الوسطى ) حكم 51 سنة 3- أمنمحات الثالث (الأسرة الثانية عشرة - الدولة الوسطى) حكم 47 سنة 4- امنمحات الثانى (الأسرة الثانية عشرة - الدولة الوسطى) حكم 44 سنة 5- جت (الأسرة الأولى - الدولة القديمة) حكم 40 سنة 6- سنوسرت الأول ( الأسرة الثانية عشرة - الدولة الوسطى) حكم 35 سنة 7- رمسيس الثالث ( الأسرة العشرين - الدولة الحديثة) حكم 31 سنة 8- ونيس "أوناس" ( الأسرة الخامسة - الدولة القديمة) حكم 30 سنة 8- "مكرر" أمنمحات الأول (الأسرة الثانية عشرة - الدولة الوسطى) حكم 30 سنة أى أن ترتيب حسنى مبارك بالنسبة لمدة حكام الفراعنة هو الثامن مكرر. وإن كانت - من وجهة نظرنا - المقارنة يجب ألا تقتصر على مدة الحكم, فطبيعة الدولة الفرعونية مختلفة تمامًا عن العصر الحالى, كما أن أداء الفرعون كان مختلفًا تمامًا.. فشعب الفرعون كان يعيش فى رخاء, وكان الفرعون يقود المعارك الحربية ضد أى عدو يهدد الوطن خاصة بنى إسرائيل والذين كانوا رعاعًا حاقدين وجواسيس ومنكرين للجميل. ولم يحدث وجود اتفاقية سلام فى عهد الفراعنة مع بنى إسرائيل، بل أشهر اتفاقية فى التاريخ الفرعونى كانت مع الحيثيين - المقيمين فى موقع تركيا حاليًّا - وعقدها رمسيس الثانى من موقع القوة حتى إن حاكم الحيثيين منحه ابنته الجميله ليتزوجها من باب التودد إليه. أما عن الحكام الذين حكموا مصر لفترات طويلة وكانوا من أصول غير مصرية - وكما يقول د. حجاجى إبراهيم رئيس أقسام الآثار بكلية الآداب - فهم كالتالى: 1- الخليفة الفاطمى المُستنصر - حكم 59 سنة 2- السلطان المملوكى الناصر محمد بن قلاوون - حكم 43 سنة 2- " مكرر " محمد على باشا - حكم 43 سنة 3- بطليموس الاول " سوتير " - حكم 39 سنة 3- " مكرر " بطليموس الثانى " فيلادلفوس " - حكم 39 سنة 4- بطليموس السادس " المحب لأمه " - حكم 35 سنة وبذلك يكون ترتيب حسنى مبارك بالنسبة لهؤلاء فى الترتيب الخامس علمًا بأن هؤلاء أيضًا تركوا آثارًا رائعة وقدم محمد على اُسس النهضة الحديثة. التوريث: أما عن التوريث وقت الفراعنة فأشهره ما جاء فى قصة الأب الفرعونى "توحتمس الأول"، وهو يتوجه بابنته الطفلة حتشبسوت لمعبد ايون فى هليوبوليس بعد حشد الكهنة وكبار رجال الدولة وقدمها لهم وهو يحملها بين يديه (فى الحركة التقليدية للحماية) ويقول لهم: هذه هى الطفلة خنوم - آمون - حتشبسوت التى تخلفنى والتى تجلس على عرشى والتى تصدر الأوامر فى كل مكان بالقصر الكبير وهى التى تسير أقداركم وهى التى تسمعون كلامها وتصدعون جميعًا بأوامرها. من أخلص لها طال بقاؤه، ومن تَقوَّلَ عليها بسوء فالمنون لا محالة مدركه. أقبلوا سراعًا لتبايعوها أمام الملك، وقد سمعتم اسم جلالتها كما فعلتم باسمى؛ لأن هذا الإله ابن الرب فالأرباب حراسها على كر الأيام, الذائدون عنها على مر العشى, بهذا قضى سيد الآلهة. وعلى الفور أقبل الكهنة والملوك مبتهلين ومهللين بهذا التوقيع الملكى أو التوريث الملكى. ومن المعروف أن حتشبسوت فيما بعد زعمت قصة أنها ابنة الآلهة ليقتنع الجميع بأنها الأحق بالحكم. كان هذا عند الفراعنة ولم يختلف الأمر كثيرًا عن عهد مبارك؛ فقد كان التوريث يرحب به ويهيأ له كهنة النظام وكبار رجال الدولة وعلى رأسهم زكريا عزمى وصفوت الشريف وأحمد عز وغيرهم إضافه إلى مئات "الكراسى" فى مجلسى الشعب والشورى. أما عن نظرة الفراعنة لخيرات مصر فكان القول المأثور منذ الأزل "إن مصر لو ضرب سياج حولها لاكتفى بخيراتها أهلها"، والفارق أن الفراعنه كانوا يحصلون على الخير وأيضًا يعطون الشعب, وتركوا لنا الخيرات الكثيرة حتى اليوم، ومنها ما نتكسبه من دخل زيارات المناطق الأثرية ومعارض الآثار، إضافة إلى ما ذكره علماء الجيولوجيا بأننا حتى العصر الحديث نسترشد بالمناجم التى كان الفراعنة يستخرجون منها المعادن النفيسة، مثل الذهب. أما فى عهد مبارك فكانت الخيرات تقتصر عليه وعلى أعوانه؛ لذلك فهو وأعوانه يختلفون عما جاء فى التاريخ، ومع الكشف عن تهريبهم للأموال للخارج، فقد خرجوا أيضًا من الجغرافيا! مبارك ترتيبه الثامن في طول مدة الحكم.. والتوريث كان مرتبطًا بالخير للشعب التعذيب لم يكن موجودًا للشعب وقت الفراعنة.. ويقتصر على الأسرى لإرهاب الأعداء