رغم أن خبر استقلال مدينة المحلة الكبري عن الجمهورية المصرية الذي أعلنه شبابُ المدينة الثائرون والمحتجون إثر الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، قد استقبل بالسخرية والاستهزاء من جانب المصريين إلا أن التاريخ المصري شهد بالفعل استقلال مدينة زفتي عن المملكة المصرية لتصبح "زفتي" أول جمهورية يتم إعلانها في الشرق الأوسط علي يد الفتي الثائر "يوسف الجندي". في بلدة صغيرة علي ضفاف النيل تدعى زفتى ولد "يوسف الجندي" (1893 – 1941) مفتحا عينيه على قوات الاحتلال الانجليزي وهي تمتص خيرات مصر وتشوهه وجهها. شب الفتى الصغير والتحق بكلية الحقوق وفي تلك الفترة كان سعد زغلول زعيما وطنيا التف المصريون حوله، فسارع الشاب الثائر بالانضمام الي شباب سعد زغلول ثم تجرأ واعتلي منبر الأزهر ليلقي الخطب النارية ضد الملك والاستعمار ونتيجة لذلك تم فصله من مدرسة الحقوق "كلية الحقوق حاليا" ومع تصاعد الأحداث السياسية القي القبض على سعد زغلول ومرافقيه "أحمد باشا الباسل – محمد باشا محمود – إسماعيل صدقي- مكرم عبيد" وتم نفيهم الي جزيرة سيشل، هنا وجد يوسف الجندي أن حلمه في مقاومة الإنجليز انتهي بنفي سعد، اجتمع بمدينة زفتي مع مجموعة من الشباب الجامعي والفلاحين والتجار وقرروا لفت أنظار العالم الي مطالب سعد زغلول بإعلان مدينة زفتي جمهورية مستقلة في 18 مارس 1919. ولم يكن المقصود الاستقلال عن مصر ولكن الاستقلال عن الحماية الإنجليزية علي مصر واتفق الأهالي علي تنصيب الناشط السياسي "يوسف الجندي" ابن ال 26 سنة رئيسا للجمهورية وأخوه عوض مساعدا له، وبعد أن تبلورت الفكرة بدءوا في التحضير لإعلان الإستقلال صباح يوم 18 مارس 1919 حيث تجاوب معهم جميع أهالي البلده من فلاحين وأعيان وشباب ووصل الأمر لتوسل رجل من الخارجين عن القانون للانضمام لهم وكان يدعي سبع الليل ويتزعم عصابة مسلحة تروع البلدة والقري المجاورة، فطلب من أهل البلدة المشاركة معهم وإعلان توبته لرغبته في قتال الإنجليز. وذهب يوسف الجندي ومعه بعض أهالي البلدة الي ضابط النقطة في البلده وكان يدعي "حمدي أفندي" ولأنه رجل وطني انضم لهم وفتح "مخزن السلاح" وشارك معهم في التخطيط ولأول مرة يجتمع رجل الشرطة وزعيم العصابة علي هدف واحد وهو محاربة الإنجليز، وفي صباح يوم 18 مارس كونوا المجلس البلدي الحاكم برئاسة المحامي الشاب "يوسف الجندي" وكان المجلس يضم عدة لجان منها لجنة التموين والإمداد وكانت مهمتها حصر المواد التموينية وحسن توزيعها علي أهالي البلده ولجنة النظافة وكانت من أنشطتها تنظيف كل شوارع البلده وإنارة الطرقات ليلا، ولجنة الإعلام تولاها محمد أفندي عجينه وكانت تقوم بطبع المنشورات السريعة لتوضيح الوضع العام في البلده، كما قامت اللجنة بإصدار جريدة يومية وكان اسمها " جريدة جمهورية زفتي" ولجنة الأمن والحماية وتولي الإشراف عليها الضابط الشاب حمدي أفندي بمعاونة سبع الليل. ورغم نشوة الانتصار والفرحة التي عمت أرجاء المدينة بإعلان الاستقلال إلا أن حلمهم لم يكتمل بعد علم الإنجليز في مساء يوم 18 مارس وأرسلوا قوة للاستيلاء علي البلدة فتصدي لها الأهالي، وفي الصباح علموا في البلدة بأن هناك قطارا قادما اليهم محملا بمئات من الجنود والعتاد العسكري فما كان من سبع الليل ورجاله إلا أن قطعوا قضبان السكة الحديد وهنا تفشل محاولة الإنجليز الثانية للاستيلاء علي مدينة زفتي، انتقل الغضب الشعبي وحالة عدم الاستقرار الي مختلف محافظات مصر حيث قام المصريون بتخريب الطرق وقطع خطوط الاتصالات وأسلاك التلغراف فتريث الإنجليز حتي تهدأ الأمور في أنحاء مصر وفي 29 مارس 1919 فوجئ أهالي زفتي بعشرات المراكب التي تحمل جنود الإرسالية الأسترالية تقوم بعملية إنزال الجنود علي شاطئ النيل بالبلدة وقيامهم بإطلاق النار في الهواء وهنا ظهر ذكاء المأمور إسماعيل حمدي حيث تفاوض مع رئيس الكتيبة الأسترالية واستطاع أن يقنعهم أن المصريين والأستراليين في خندق واحد وأن عدوهم مشترك وهو الإنجليز ،ووصل التفاوض بينهم إلى اتفاق أن يتسلم الاستراليون 20 ثوريا ويتم جلدهم بالمدينة، في مقابل أن تغادر الكتيبة المدينة وهنا تظهر عبقرية إسماعيل حمد حين سلم عددًا من الجواسيس الذين تم القبض عليهم من قبل للأستراليين وادعى أنهم الثوار فتم جلدهم علي يد أسيادهم. وفي هذه الأثناء هرب يوسف الجندي من زفتى بعد إعلان مكافأة كبيرة لمن يرشد عنه وتوجه لبيت الأمة فساعدته أم المصريين "صفية زغلول" علي الاختباء حتي هدأت الأمور، وأصبح بعد ذلك يوسف الجندي من أكبر رجال السياسة والبرلمان المصري وعندما عرض اسمه في إحدى التشكيلات الوزارية كوزير للمعارف اعترض الملك علي اسمه بشدة لأنه لم ينس نضاله ضد الإنجليز، ثم عمل نائبا لزعيم المعارضة في مجلس الشيوخ، واستمر في نضاله الوطني حتي توفي عام 1941 أخبار مصر - البديل Comment *