في ميدان التحرير اجتمع الضدان ... ثورة قام بها شباب، وعقد وضعها العواجيز منعت هذه الموجات الثورية من أن تجتاح بيوت مصر ومؤسساتها وتتجسد في قيم مجتمعية وقرارات سياسية. ينتابني إحساس كبير بأن جيلي متشابه جدا في أفكاره ومشاعره وتوجهاته، في شمال مصر وجنوبها، حاضرها وريفها، جيل كفر بالأيديولجيات وآمن بالقيم المطلقة، لا يعنيه أي حزب سيحكم مصر أو رئيس سيقود سفينتها قدر اهتمامه المريض باحترام هذا الحزب وتبنيه لتلك القيم المطلقة. منا من يستسلم في حياته ل"حكمة" العواجيز، ومنا من تظل "روح" الشباب و ثورته تلهمه في عمله وحياته وفكره وتدينه أو لا تدينه، تؤلمه أحياناً وتحبطه ولكن تظل الدماء الحية والحيوية الشابة متدفقة في أوردته. ...... "طريق الحرية مش سهل، الثورة مش كلمتين في ميدان وخلصوا، وبناء نظام عادل يحتاج إلى تضحيات ومعاناة أكثر بكثير وأطول "بطويل" من هدم نظام فاسد، وأن تعمل ما تحب وتعتقد ما تحب وتتزوج من تحب وأحيانا تحب ماتحب ومن تحب هي من أصعب الأشياء وأروعها في زمن حرج نعيشه، يشهر لنا الماضي بعواجيزه أحد أسلحته، وتغلف الحياة الحقيقية نفسها بضباب ساحر، تجعلنا نشك فيها على قدر عشقنا لها" "إنت بتقول إيه ؟" "من ذاق عرف، ومن اتبع خرف" من حواراتي ومناقشاتي مع إسلام وخضر ....................... "المصريون لا يذهبون إلى الشوارع ضد مرسي أو الإخوان المسلمين، إنها ليست انتفاضة مدنيين ضد إسلاميين، إنها ثورة شعب يرفض الاستبداد، ضد سلطة ورثت كل تقاليد الدولة المصرية المستبدة العتيقة" إيان بلاك في الجارديان البريطانية تعليقاً على الاحتجاجات ضد الإعلان الدستوري لمرسي ................ "الشباب المصريون مثل النار، قادرون على إشعال الحرائق ضد الأنظم الفاسدة، ولكنها النار العظيمة التي تحرق، وليست نار المدفئة التي تنشد الدفء أمامها، ولانار "البوتوجاز" التي تستطيع أن تطهو عليها وتصنع فنجانا من القهوة" فوكوياما – مفكر أمريكي يميني ....... يسألني والدي الذي انتخب شفيق أليس هذا مرسي الذي انتخبتموه؟ ويتساءل حول الرئيس الذي نريده والحزب الذي نتبناه ؟ هذا السؤال ليس ملك لوالدي وحده، ولكن نقرأ كثير من الصحفيين يردده، والمحللين والخبراء والمراقبين و و و أجيب حتى لو انتخبنا البرادعي أو صباحي إن لم يحترم حريتنا ويحافظ على كرامتنا ويتبنى في مشروعه العدالة الاجتماعية سنثور ضده. ................. كثير من الجيل القديم أشعر بالغثيان حينما نتناقش حول أحوال بلادنا وثورتنا، يقول لي أحد "العواجيز" الذي قضى دهرا في السجن، كلاماً كثيراً حول الإسلاميين ومدى تعنتهم وأنهم سيحولون بلادنا إلى جحيم، فأدافع عنهم وأقول له إن الإخوان يحتاجون إلى معارضتنا ليتطهروا من تلك الصفات "الأصولية" و"القمعية"، إننا في الحقيقة لسنا ضد الإخوان كجماعة أو كتوجه ولكننا ضد الاستبداد الذي تمارسه، والأزمة أن الجماعة بدأت في التماهي مع الاستبداد، وذلك ما دفعنا إلى هذا العنف معهم، ولكن فيروسات الاستبداد لا تخصهم وحدهم المعارضة التي تسمي نفسها جبهة الإنقاذ تحمل تلك الفيروسات، إن الحديث عن الإسلاميين فيه الكثير من الإقصاء متجاهلين انفتاح بعض مشاريعهم على الآخر. وللأسف هذه العقدة دخلت ميدان التحرير وخنقت بكل ما أوتيت من قوة صوت ينادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. أقول للإخوان الذين خذلوا الشهداء، من ماتوا بجانبهم، من انبهروا بسماحتهم واحترامهم للقيم الإنسانية في زمان الثورة وهم يهتفون بجوارهم "عيش حرية وعدالة اجتماعية" هذه ليست ثورة مدنية ولا إسلامية هي ثورة إنسانية نادت بالحرية وأبسط أشكالها هي الحرية في المعتقد والرؤيا ولا أدري لماذا هذه الحساسية لدى الإسلاميين اتجاه حرية العقيدة، كأن مادة في الدستور ستأتي بالبوذيين، وكأن الإسلام يحمي وجوده في مصر بالقمع، فعدم سماحهم للمصريين بالتدين بدين غير سماوي هو الذي سيبرر لدهم عدم اعتناقهم للأديان الأرضية. هذه الثورة نادت بالعدالة الاجتماعية التي خلا دستوركم "الإخوان" من وضع الحد الأقصى للأجور، الذي يضمن حد أدنى "محترم"، وكذلك ربط الدستور الأجر بالإنتاج وليس بظروف المعيشة وغلاءها، وكأنه يجوز لمستثمر أن يحرم عامليه أبسط حقوقهم والحد العادل لمرتباتهم من أجل ضعف إنتاجه، طبعا مع غياب مقياس "عادل" لهذا الربط بين الإنتاج والحد الأدنى للمرتب. وليس هناك مادة في الدستور تعطي ضمانا واقعيا لعدم ممارسة انتهاك لكرامة الإنسان، فمصالح الجيش وحضوره السياسي كانت واضحة في الدستور، والمرجعية الدينية التي خولت لهيئة دينية شرعية كانت واضحة في الدستور، أما مساءل تتعلق بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية فمطاطة قابلة للتأويل الذي يفرغها من معناها. ................... من الجيل القديم ماهو كبير بحق، ومنهم من هو عجوز بحق، وأعني بعجوز هذا العجز عن فهم المتغيرات الكبيرة للغة العصر ومفرداته، وبالكبير الذي فهم العصر بالإضافة إلى تجاربه الكبيرة، كل ما نشاهده على الساحة من صراعات وهمية بين العلمانية والإسلامية، بين تيار الإسلام السياسي والأحزاب المدنية هي إحدى تجليات عقد العواجيز في مصر، نحن مع العدل والحرية والكرامة من عادى تلك القيم عاديناه وحاربناه حتى لو كان "برادعاويا" أو "مدنيا"، ومن تبناها وضعناه في قلوبنا وعيوننا حتى لو كان إخوانيا أو سلفيا أو عسكريا. وأنهي مقالي بهتاف تردد كثيرا في ثورة 25 يناير، يوحي بالكثير من معنى الثورة وجوهرها "ثورتنا ثورة شباب لا إخوان ولا أحزاب " Comment *