سيقول التاريخ السياسي الوطني عن مصر في هذه الفترة: ارتكب "الإخوان" في بضعة أشهر قليلة، منذ تسلموا الحكم عبر رئاسة محمد مرسي، كثيراً من الأخطاء الجسيمة، إلى حد انفجار هبات ثورية شعبية عارمة، تمر عقود في حالات أخرى حتى يتفجر ما يماثلها!. بعد شهور لم تكن بلغت نصف العام من رئاسته، ها هم المصريون يخرجون، في مظاهرات حاشدة في ميدان التحرير، ثم في محيط قصر الرئاسة "الاتحادية"، وما يناظر من ساحات في مختلف محافظات مصر من دلتاها إلى صعيدها، تندد بنظام هيمنة وتكالب الإخوان، على الدولة ومفاصلها وتفاصيلها، بل ها هم المصريون يرفعون مجدداً الهتاف والقول الفصل إذ يفيض الكيل الذي جابهوا به قبل عامين نظام مبارك، وكالوا الضربات ضده حتى تهاوى: (الشعب يريد إسقاط النظام)، مع: (ارحل مش هنمشي! هو يمشي!). وإذا كان ذلك قد تم تباعاً واندلاعاً متعاظماً في مليونية جمعة "مصر مش عزبة" (19 أكتوبر 2012)، مروراً بمليونية جمعة "حلم الشهيد" (30 نوفمبر 2012)، وغيرها.. فإنه قد بلغ في مليونية الثلاثاء الأسطوري "الإنذار الأخير" (4 ديسمبر 2012) ذروة الذرى، وصورة رائعة باقية في الأذهان والتاريخ الوطني: إذ تنقسم بقدر ما تتناغم مسيرات وحشود الجماهير الثائرة في القاهرة، إلى كتلة كبرى، رابضة مثابرة، في "التحرير" ميدان الثورة المصرية الأعظم، تحرص عليه وتوقده أنواراً ومشاعل ثورية.. متواكبة معها كتلة كبرى أخرى، زاحفة إلى القصر الجمهوري حيث رأس النظام والتيار الإخواني المتغطرس المتحدث باسم السماء! تحيط به ساعات طوال، حتى يضطر الرجل إلى أن يهرب من باب خلفي للقصر بمعاونة الحرس الجمهوري، في مشهد نادر في التاريخ المصري كله، له معناه ودلالته الساطعين، وغير الخافيين إلا على من يريد أن يتعامى أو يتغابى!. يهرب سيد القصر الجديد أو القيصر الجديد! تحت وطأة ووقع الغضب الثوري الهادر، بينما الهتافات واللافتات ما عادت تطلب إسقاط إعلان ديكتاتوي شبه إلهي، سمى زوراً بالدستوري، لمرسي وجماعته، إو إسقاط ما قدم زيفاً باعتباره دستور مصر ما بعد ثورة 25 يناير وما هو إلا "دستور الغرياني" (القاضي الذي باع روحه وضميره للإخوان)، أو هو "الدستور الإخواني" الذي سرق من مصر الثورة مؤقتاً حلمها في دستورها الحقيقي، و"سلق" الإخوان وحلفاؤهم نصوصه بليل وعلى عجل، كما يفعل كل من يرتكبون الاثام فيرتبكون، أو يحتالون فيهرولون!!. إنما أصبحت جماهير شعبنا متخطية عابرة، غير عابئة، بكل هذا أو ذاك من أمور، فقد أضحت كلها محض تفاصيل وأشياء محدودة أو ضئيلة القيمة، مقارنة بما ملأ ضمير هذه الجماهير، وانتوته وعزمت عليه: وهو الثورة مجدداً. الثورة على نفس النظام السابق الذي سقط قبل عامين بالتمام في 25 يناير 2011، لكنه عاد في ثوب إخواني سلفي وهابي، في سروال ولحية وإطار يتمسح في الدين، وما هو في الحقيقة إلا تيار يتناقض مع كل مصالح جماهير الشعب الواسعة (وطنياً، ديمقراطياً، اجتماعياً.. جميعاً!). هذه الجماهير الزاحفة المثابرة المصرة، المضحية ولو بالأرواح إذا لزم الأمر، حتى النصر. وقد ضحت بالأرواح بالفعل أمام "الاتحادية"، إزاء غارات القطعان الهمج، تحت سمع وبصر رئيس الجمهورية، ودهاقنة الجماعة من "المرشد" و"الشاطر" و"العريان" و"البلتاجي" وزملائهم، بل بأمرهم، ولم يكن لأفراد العصبة أو العصابة سوى أن "يسمعوا ويطيعوا"..!. قالوا لهم، حتى عبر الشاشات والفضائيات، وهنا التسجيلات وثائق عار تدينهم أبداً: اهجموا.. وفضوا اعتصام المعتصمين جبراً وبالقوة!. فهجموا وقتلوا، ومثلوا بالجثث، واتخذوا من البنات "غنائم" بنص ألفاظهم وعذبهن، وستظل "مجزرة الاتحادية" وغيرها ضد المعتصمين والمتظاهرين السلميين جرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم، تحتم المحاكمة والملاحقة حتى القصاص العادل. هؤلاء الذين ألغوا القانون والقضاء في حصارهم المجنون للمحكمة الدستورية، ولمدينة الانتاج الإعلامي، ويطلقون الميليشيات الخاصة لتنفيذ ما يعن لهم من إرهاب وجرائم، ويصوبون سلاحهم المدججين به نحو القضاة والشخصيات العامة التي تختلف معهم في الرأي. لقد حل محل رئيس ونظام لص، رئيس ونظام إرهابي. Comment *