تستعرض "البديل" في السطور القادمة ذكريات روائيين وكتاب تعرضوا للسجن، وربما أسهم ذلك في خروج إبداعات فريدة للنور من وحي المحنة، ورغم الألم الذي بقي أثره، إلا أن معظمهم يحن إلى ذكرى بعينها خلف القضبان. في البداية يقول الكاتب والسياسي فخري لبيب إن السجن مكان وبشر وليست كل السجون متشابهة فالمنافي تختلف عن المعتقلات والواحات تختلف عن ليمان طرة، ويقول قبل أن أسجن كتبت كثيرًا ولكن ضاعت تلك الأشياء ولكنني عوضتها أثناء السجن وبعد خروجي منه. في السجن كان لي عمل سياسي ولكن في وقت الفراغ أتيحت لي كتابة العديد من الكتب ومنها "الشيوعيين وعبد الناصر" وفي سجن الواحات كتبت تحت الأيدي الخضراء، ومجموعة قصصية بعنوان "كنز الدخان" وفي سجن المحاريق ترجمت كتاب "عريان بين الذئاب". يضيف لبيب أنه إذا كان المثل العام يقول "الرفيق قبل الطريق" ففي السجن نقول الزميل قبل الزنزانة، وفي فترات سجني حظيت برفقة جميلة كان بداخلهم مواهب عديدة ظهرت لأول مرة في السجن مثل الممثل علي الشريف وممثل دور ماكبث خالد حمزة. أيضاً أذكر الكاتب المسرحي شوقي الحكيم وصلاح حافظ، وقمنا بعمل مسرح روماني داخل السجن وعندما قام ألفريد فرج بعمل مسرحيته الشهيرة حلاق بغداد داخل وخارج السجن قال عنها البعض إنها مثلت داخل السجن أجمل رغم أن الأدوار النسائية قام بها الرجال. وكنا جميعًا أسرة واحدة، حتى إننا أنشأنا دولة مستقلة، قمنا بزراعة 35 فدانًا وبناء فيل بداخل الأرض، وحفرنا حمام سباحة والضباط كانوا يستأذنون منا لنزول هذا الحمام. هذا إلى جانب الجامعة التي أنشأناها لتعليم العمال، وكان المدرسون فيها عظماء أمثال عبد العظيم أنيس، فؤاد مرسي، محمد سيد أحمد، ألفريد فرج، إلى جانب مكتبتنا التي صنعناها داخل المخبأ، هذا بالإضافة إلى بناء مسجد خاص بنا. ويسترسل لبيب، فيقول إن أيام السجن كانت أحسن من هذه الأيام التي نعيشها، ويذكر أنه كان بينهم "عدد من الإخوان المسلمين والذين كانوا يتولون إدارة المطبخ والفرن، فكانوا يتعمدون إخفاء الخبز وعدم إعطائه لنا؛ لأننا الشيوعيون الكافرون في نظرهم رغم أننا أنشأنا المسجد وليسوا هم!!". أما الكاتبة فريدة النقاش فقالت "إنه بطبيعة الحال تجربة السجن خارجة عن السياق العادي لحياة أي إنسان؛ فهي تجربة مثيرة ومدهشة وملهمة للكتابة أيضاً؛ لأن السجن للمواطن أو المواطنة يرى فيها العالم من زاوية مختلفة؛ لأنه يعد مجتمعًا طبقيًّا مصغرًا، فهناك الفقيرات والمتوسطات، وأيضًا هناك بالغات الثراء، مثل تاجرات المخدرات واللائي يكوِّنَّ علاقات واسعة داخل السجن بأموالهن. وهناك أيضًا الفتيات الصغيرات اللاتي أوقعتهن ظروفهن الاجتماعية في شبكات الدعارة، وبالتالي فنحن نستطيع أن نرى داخل السجن مجتمعًا مصغرًا لواقعنا المصري، وكذلك في السجن مساحات للتأمل، خاصة في الأيام التي يمتنع فيها دخول الصحف والراديو؛ لذلك التأمل في الحياة السياسية وواقع الحال وحتى الحياة الخاصة يصبح أكثر عمقاً"، وتضيف النقاش "أن التركيبة النفسية للمسجون تعطيه خصوبة فكرية شديدة حتى وهو داخل السجن الانفرادي الذي أجده أقصى أشكال التعذيب؛ لأنه يعزل الإنسان عن عالمه تماماً". وتكمل النقاش: "لم أتعرض للتعذيب، ولكنني سمعت أصوات الشباب داخل سجن القناطر عقب مقتل السادات؛ ولذلك أرى تجربة السجن مؤلمة ولكنها ملهمة أيضًا، وهي الدليل القاطع على فساد النظام السياسي الذي نعيش في ظله والذي لا يحترم آدمية المواطن". فريدة النقاش لها كتاب أنجزته ثلاث مرات في ثلاث طبعات تزيد كل مرة تفاصيل عن تجربة جديدة لسجنها، وهو "السجن جامعتان ووردة.. مذكرات سجينة سياسية". أما الأديبة سلوى بكر والتي لم تطل فترة سجنها فقد عبرت عن تلك الفترة من خلال روايتها "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" تناولت فيها أحول السجينات العاديات والظروف التي أدت إلى ارتكاب جرائم، وعرضت روايتها بأسلوب ساخر للقيم الاجتماعية المكبلة للمرأة والثقافة المميزة ضدها، حيث تتعامل الرواية وكأنها صرخة من نساء القاع الاجتماعي في وجه المجتمع، وتقول بكر إن معظم ما ورد في الرواية من شخوص منها ملامح حقيقة تعاملت معها الكاتبة من خلال فترة سجنها. ويرى الشاعر شعبان يوسف أن أدب السجون لدينا غزير جداً ومن عقود عديدة يتبلور، والذي يتواتر علينا منذ الأربعينيات، مثل "علم القيود والسدود لعباس العقاد". ويذكر يوسف أن هناك نوعين من أدب السجون، فيذكر أن هناك مذكرات ويوميات مثل "أيام الواحات" لصنع الله إبراهيم، و"الأقدام العارية" لطاهر عبد الحكيم و"الأوردي" لسعد زهران. والجانب الثاني هو الأدبي كالروايات، ويذكر في ذلك زخم أدب المرأة، مثل حميدة قطب التي كتبت روايتها "أحراش في الليل"، وفريدة النقاش وكتابها "بين السجن والوطن"، وأيضًا لطيفة الزيات "حملة تفتيش أوراق شخصية". والاختلاف الذي يذكره يوسف هو أن أدب السجون يختلف في فترة الأربعينيات عما تلاها من اختلاف الأنظمة؛ لأنه تميز بدرجة من درجات التأمل والحوار، ولكن مع الخمسينيات والستينيات وظهور آليات جديدة للتعذيب, اتسم أدب السجون في هذه المرحلة بقدر من الانفعال والعصبية والتي وصلت في أحد الأوقات إلى الأوهام، مثلما نجد في مذكرات زينب الغزالي إحدى الأخوات المسلمات في كتابها "أيام في حياتي" والذي ذكرت خلاله أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يشرف شخصيًّا على تعذيبها. ويذكر يوسف أن المستقبل سوف يرشح لنا نوعًا جديداً من كتابة مذكرات السجون، وهو إرفاق التحقيقات والمحاضر التي يسهل الحصول عليها الآن. أخبار مصر - متابعات - البديل Comment *