يوم الأحد الماضي، كنا على موعد مع الحدث: إقامة مباراة كأس السوبر بين النادي الأهلي ونادي إنبي، تحدياً لغضب ملايين المصريين والآلاف من رابطة مشجعي النادي الأهلي (الألتراس)، الذين هددوا باقتحام الاستاد لمنع إقامة المباراة دفاعاً عن قضيتهم بعدم استئناف النشاط الرياضي إلا بعد القصاص من قتلة شهداء مذبحة بورسعيد، وإعلان محمد أبو تريكة كابتن النادي الأهلي رفضه السفر إلى الإسكندرية والاشتراك في المباراة تضامناً مع مطالب الألتراس واحتراماً لدماء الشهداء. و بالفعل، زحف الآلاف من شباب ألتراس الأهلي من الاسكندرية إلى استاد برج العرب سيراً على الأقدام، لمنع إقامة المباراة، وقبل ساعات من المباراة المنتظرة، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يبرز عقد وزارة الداخلية لصفقة مع البدو قاطني المناطق المجاورة للإستاد لمواجهة الألتراس، والاعتداء عليهم مقابل تقنين أوضاعهم على الأراضي القائمين عليها، كانت الأحداث تتصاعد، وتمكن شباب الألتراس من محاصرة الفندق الذي يقيم فيه اللاعبون رافعين شعار (القصاص أولاً.. والمجد للشهداء)،فيما حاصر رجال الأمن الفندق، وانتشرت قوات كبيرة على الطرق المؤدية إلى الاستاد.. آلاف من السيارات والجنود، وملايين الجنيهات من أجل تأمين مباراة كرة قدم بدون جمهور وعلي جثث الشهداء، في حين أن هناك مستشفيات تغلق أبوابها لعدم وجود عسكري واحد يأمنها. كنا ننتظر قراراً بإلغاء المباراة أو تأجيلها، لكن وزارة الداخلية كانت تصر وتؤكد على إقامتها في موعدها، حفاظاً على هيبة الدولة.. ولأن هيبة الدولة (زي عود الكبريت ما يولعش إلا مرة واحدة).. رغم أن هذه الهيبة لم تهتز لمقتل 74 شاباً من شباب الألتراس، فوزير الداخلية ووزير الرياضة ومعهم اتحاد الكرة يتصورون أن هيبة الدولة تتحقق بإقامة هذه المباراة، وأن حقوق الشهداء ستأتي بالقانون والعدل، وليس ب (لي ذراع) الدولة كما صرح أحدهم لوسائل الإعلام.. ونحن بدورنا نسأله: هل أنصف القانون الشهداء؟.. هل نال القتلة عقابهم وتحققت العدالة؟ كنت أتنقل بين القنوات الرياضية لمتابعة المباراة، خشية حدوث مذبحة جديدة للألتراس، واستقر بي الحال للمتابعة على قناة مودرن سبورت، حيث كان يستضيف المذيع الكروي مدحت شلبى كل من إبراهيم يوسف (كابتن نادي الزمالك السابق)، ومجدي عبد الغني ومصطفى يونس (لاعبي النادي الأهلي السابقين)، وكان صوت أم كلثوم يصدح في خلفية اللقاء خافتاً: "أنا إن قدر الإله مماتى, لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى", والمذيع يعلق: شابفين الجملة؟.. فيرد مجدى عبد الغنى: شوف المعنى يا كابتن, يعنى حتى لو ربنا قدر ممات مصر يبقى خلاص دى إرادته, لكن مش احنا اللى نموتها بايدينا, و فى الحالتين المباراة لازم تتلعب فى ميعادها.. لم أتحمل متابعة باقي الحوار، وتحولت إلى قناة أخرى، كانت النغمة السائدة في القنوات الرياضية أنه بإقامة مباراة السوبر فى موعدها نكون قد نجحنا فى استعادة هيبة الدولة، وأن شباب الألتراس تحولوا إلى بلطجية أو فئة مدسوسة بينما السادة الجالسين في الاستوديوهات التحليلية هم المواطنون الشرفاء الذين يحبون مصر حباً جماً. بدأت المباراة، وكانت الدقائق تمر ثقيلة كالدهر، وهلل المعلقون الرياضيون بعد انتهاء المباراة لقدرة الأمن وحنكته وانتصاره على الألتراس، في حين أننا لو نظرنا إلى الأمر بتعقل، فسنجد أن شباب الألتراس فازوا بكل جدارة وشرف، لأنهم أوصلوا رسالتهم الاحتجاجية إلى كل الناس، من أصغر لاعب حتى رئيس الجمهورية، وأجبروا الداخلية على تهريب اللاعبين من الفندق خوفاً منهم، كما أنهم وضعوا لاعبي الأهلي وجهازه الفني ومجلس إدارته أمام حقيقة: كسبتم كأس السوبر، وخسرتم احترام جماهيركم. تنفسنا الصعداء، وقلنا: الحمد لله، انتهت المباراة، واليوم عدى على خير, ربك كريم, ما فيش دولة بتنام من غير هيبة.. ولم تكد تمضي ساعات حتى فوجئنا بخبر إيقاف أبو تريكة شهرين وحرمانه من شارة الكابتن، وتغريمه نصف مليون جنيه عقاباً له على تضامنه مع مطالب الألتراس ورفضه الاشتراك في المباراة. غير أن شباب الألتراس الجميل قرروا دفع غرامة أبو تريكة جنيهات معدنية يوم 30 ديسمبر الجاري، وأعلنوا بالفعل بدء جمع قيمة الغرامة تحت شعار: "ليه يبقى جنيه معدني.. لما ممكن ندفع لهم 5 قروش معدنية، علشان نحمل لهم 10 عربيات نقل ثقيل شلنات ونفضيهم أمام النادي". Comment *