كان الكيان الصهيوني يعتمد على الدول المؤثرة في النظام العربي الرسمي المعاصر، وخاصة في مصر، لتوفير غطاء سياسي لعملية يجهز لها منذ أمد لتصفية ما يعتبره خطراً موجهاً للمشروع الصهيوني من جانب نظام الثورة الإيرانية. ولكن الكيان الصهيوني، فوجئ بالربيع العربي في عام 2011، وبالسقوط المدوي للنظام المصري كجثة هامدة إلى جوار النظام التونسي، وما أعقب ثورة 25 يناير الشعبية في مصر من ترنح بقية نفس النوعية من أنظمة موالية لواشنطن ومتعاونة مع تل أبيب. ومنذ نجاح الثورة في إيران عام 1979، فإن المشروع الأمريكي الصهيوني يعتبر الطرف الإيراني في المنطقة معادياً وبالغ الخطر، بعد أن خسر أحد أخلص حلفاء المشروع، المتعاونين معه بكل الصور، وهو نظام شاه إيران، وقد رحبوا في واشنطن وتل أبيب بالاقتتال ولا نقول القتال الذي نشب بين الجانبين الإيراني والعراقي، وعلى مدار ثمان سنوات كاملة، وودوا لو استمر الاقتتال وأن تتم تغذيته بكل السبل حتى يصل إلى حد الإجهاز على قوة وحيوية كلا الدولتين، وخاصة مشروعهما أو شروعهما في النهضة، وتأسيس قوة ذاتية صاعدة. وقد عرفت السياسة الاستعمارية المعادية لكل من العراق وإيران "بسياسة الاحتواء" لكلا الدولتين، في محاولة مستمرة لتحجيم فتصفية القوة المتنامية لكليهما، وقد تحينت السياسة الأمريكية والصهيونية الفرصة، التي وجدتها سانحة في ضم عراق صدام للكويت، فتقدمت في ظل غطاء عربي وإسهام، وفره على الخصوص نظام مبارك في القاهرة ونظام ملوك آل سعود في الرياض، لاستبدال سياسة الاحتواء بسياسة القضاء على القوة العراقية المتنامية، تحت تسميات مستعارة وشعارات كاذبة لا تهمهم معانيها، تتشدق بالديمقراطية وتخليص البلاد من الديكتاتورية إلى جانب إدعاء تهديد أسلحة دمار شامل على السلم في المنطقة والعالم!!.. وكل تلك الأكاذيب، حاولوا بها تغطية الزحف لجيوش تحالف تحرير مزعوم، كان هدفه تدمير العراق. وقد دمروا العراق على مرتين، في (1991)، وفي (2003)، مرة في عهد بوش الأب، والأخرى في عهد بوش الصغير والمحافظين الجدد، مع كل ما كان بين المرتين من حصار طويل إجرامي أودى بحياة ما لا يقل عن مليون مدني وطفل عراقي!!. والغريب أنه لم تكن هناك أية حجة لها منطق ما، أو مسوغ يمكن أن يكون معقولاً أو مقبولاً بأي معنى، للتوجه بحملة عسكرية ضد العراق بعد الهجمات الكبرى على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر عام 2001، لأنه من المعروف البديهي في كل العالم أنه لا علاقة على الإطلاق بين نظام البعث القومي العلماني في العراق وتنظيم القاعدة الديني الذي حملوه مسئولية الهجمات!!.. ومع ذلك فقد رأينا الجرأة أو الاجتراء في إدعاء أن هناك دواع لأن يكون العراق هو المحطة الثانية بعد أفغانستان فيما سمي "الحرب ضد الإرهاب"!!.. والتي لن تتوقف أبداً حتى القضاء على كل "محاور ودول الشر"، و"من ليس معنا فهو ضدنا".. إلى آخر تلك الهذايانات لبوش الابن ورامسفيلد والمحافظين الجدد. هكذا تم إنهاك العراق، ثم الإجهاز عليه، ثم بقى الدور على إيران. وكلما اقترب المشروع الاستعماري الرجعي الأمريكي الصهيوني من محطة طهران، وارتفع الصراخ: احذروا أيها العالم وأيها العرب من الخطر النووي الإيراني الذي يدنو.. كلما حدث ما يعطل أو يربك ذلك المشروع، وكانت الذروة أو الطامة الأهم، بظهور أو زهور الربيع العربي في سنة 2011. وهم لا يعرفون ماذا يخبئ الغد العربي و بماذا قد يأتي، ويورق ويزهر؟!. لذلك فهم يحاولون أن يهدؤا الخطى أو يخففوا من فظاظة وعجرفة التعامل مع أنظمة العرب، وخاصة في القاهرة، فإذ بهم يعتذرون في أعقاب ثورة 25 يناير لمقتل العسكريين المصريين على الحدود، بعد تمنع وتسويف، وييسرون صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين بالأسير المجند الإسرائيلي "شاليط" في غزة، بعد وقت طويل وتعنت ملحوظ، وخاصة أيضاً مع تأزم غير مسبوق في العلاقة مع تركيا، يتصل بتداعيات الرفض التركي القوي للحصار المحكم والمجرم على الشعب الفلسطيني في غزة، من قبل الكيان الصهيوني والنظام الرسمي الرجعي العربي. الطريق أو الطريقة الآن، هي التهدئة مع العرب قدر الإمكان، لتهيئة أفضل مناخ يتاح، أو وضعية دولية وإقليمية تلائم، للانقضاض الشامل على طهران!. ومع الأسف، فإن القاهرة حتى بعد ثورة 25 يناير في ظل الحكم الحالي لا تقاوم بما يكفي الضغوط المعهودة القديمة التي تحول دون عودة العلاقات الطبيعية بين مصر وإيران، كما أن أنظمة عدة ما بين الخليج وشبه الجزيرة العربية والمغرب العربي، لا تزال تردد على وقع الأنغام الهستيرية الصهيونية الأمريكية احذروا الخطر النووي القادم من إيران!!.. كأنه لا خطر نووي هائل.. وقائم بالفعل، من جهة الكيان الصهيوني، ومنذ سنين وعقود. Comment *