ليس غريبا أن يعثر صحفي أمريكي –إيساندر العمراني-وهو يتقصى رؤية القادة العسكريين الجدد للولايات المتحدة على بحث كتبه الفريق صدقي صبحى رئيس الأركان الجديد عندما كان طالبا لدرجة الماجستير في كلية الحرب الأمريكية عام 2005، يحذر فيه الولاياتالمتحدة من “الإقدام على تغيير الأنظمة الحاكمة في المنطقة بالقوة لأنه قد يمهد الطريق لصعود تنظيمات إسلامية متطرفة، ويؤدى إلى فراغ وفوضى وصراعات مسلحة"، وينصح “بضرورة انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة وأن تسعى لتحقيق أهدافها بسياسات اقتصادية واجتماعية وبتطبيق عادل للقانون الدولي"، ويتهم “القيادات الأمريكية بالتحيز لإسرائيل وعدم فهم الأنظمة والمجتمعات العربية" ويؤكد أن التحول للديمقراطية في العالم العربي سيُرفض وسيفتقد للشرعية إذا اقترن في أذهان العامة بأنه مطلب أمريكي، وأن عملية التحول الديمقراطي يجب أن تستند إلى “شرعية دينية وثقافية واجتماعية" حتى تؤتى ثمارها". ما جاء في البحث ليس غريبا ولا استثنائيا ولا يحوي أسرارا، بل هو رؤية مقبولة وتمثل توجهات قطاع كبير من الرأي العام المصري. وليس غريبا أيضا أن يحتفظ أرشيف فروع أجهزة الاستخبارات في البنتاجون –وزارة الدفاع الأمريكية-والمخابرات المركزية الأمريكية بما هو أكثر من “الكلام العادي": تفاصيل كاملة عن كبار القادة العسكريين المصريين، خاصة من تدربوا أو تعلموا في الولاياتالمتحدة، أو شاركوا في مناورات مشتركة منذ سنوات طويلة، والمعلومات تمتد من البيانات الشخصية إلى الرؤى العامة وطريقة التفكير والدوائر القريبة منهم. الغريب في الحقيقة ألا نتوقف أمام السرعة التي أنجز بها الرئيس مرسي تغيراته في قيادات القوات المسلحة، في مقابل البطء الشديد في اختيار وزراء الحكومة الجديدة، فلا نتساءل عن قاعدة البيانات التي اعتمد عليها الرئيس في تصنيف من هم الأفضل والأحق بالترقي، ومن هم أجدر بالإقالة أو التهميش في مناصب شرفية مؤقتة، وفي معرفة مدى رضا أو غضب صغار الضباط تجاه رؤساهم. الغريب ألا نتوقف أمام “القرارات الذكية" – بل شديدة الذكاء أحيانا- لجماعة الإخوان المسلمين، وتوقيتاتها الملفتة للانتباه، بدءا من العزوف عن المشاركة في مظاهرات 25 يناير2011، ثم اختيار عدم الظهور الصريح وسط المتظاهرين في الأيام الثمانية عشر من 25 يناير حتى 11 فبراير، ثم الإعلان يوم 10 فبراير عن عدم ترشيح “إخواني" للرئاسة في وقت لم يكن يرد على بال أحد موضوع الانتخابات من أصله، ثم الدفع بخيرت الشاطر مرشحا للرئاسة، وبعدها تقديم البديل محمد مرسي، والإصرار على التقدم منفردين إلى منصب الرئيس قبيل انتخابات الإعادة، ورفض تحالف مع آخرين كان يمكنه أن يجعل من فوز مرشحهم مضمونا بأغلبية كبيرة. اختيارات تنم عن ذكاء وتقدير موقف واستشارات وقاعدة بيانات، لا أظن أن بعضها يتوفر للجماعة لإنجاز أمور كثيرة في وقت قصير. الغريب ألا نتوقف أمام معلومات مهمة للغاية، وضعها على الطاولة صحفيون أمريكيون.. دافيد إجناتيوس – من واشنطن بوست- قال في حوار للوطن -25 يونيو 2012- إن “خمسة من كبار قيادات جماعة الإخوان المسلمين -خيرت الشاطر أحدهم- يتلقون تثقيفا وتدريبا منتظما من مسئولين في السفارة الأمريكية ومن آخرين يأتون خصيصا من الولاياتالمتحدة منذ فترة طويلة"، ولم يحدد إجناتيوس الجهة التي ينتمون إليها، ولم يحدد صفة “مسئولي السفارة الذين يقومون بالتثقيف والتدريب"، هل هم دبلوماسيون أم رجال مخابرات يرتدون بدل دبلوماسيين ويحملون جوازات سفر دبلوماسية؟ الصحفي إريك شميدت كشف في واشنطن بوست أيضا (25يونيو 2012) عن أن الإدارة الأمريكية التزمت عدم الإعلان عن اتصالات وزير دفاعها ووزيرة خارجيتها ورئيسها أوباما بالمشير طنطاوي والفريق سامي عنان قبل إعلان نتيجة الإعادة في انتخابات الرئاسة بناء على نصحية السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون، خوفا من تفاقم الوضع المتوتر. في نيويورك تايمز كشف الصحفي ديفيد كيركباتريك في 15يوليو 2012 عن أن السفيرة باترسون طالبت المجلس العسكرى مراراً بعدم حل البرلمان لعلمها المسبق أن المحكمة الدستورية قد تبطل قانون الانتخابات البرلمانية، وكشف كيركباتريك أيضا عن أن الرئيس أوباما شخصيا هدد فى اتصال هاتفى المشير طنطاوى بقطع المعونة عن مصر. ما يتكشف في الصحافة الأمريكية وغيرها عما كان يدور في الكواليس بين الإدارة الأمريكية ورجال المجلس العسكري “السابقين" ورجال الحكم الجدد “الإخوانيين" من اتصالات ونصائح واستشارات هو مجرد قمة لجبل من الجليد فوق سطح المياه، أما الغاطس فكثير وهائل، ومن المهم أن نتذكر على سبيل المثال لا الحصر أن أول من وطأت أقدامه أرض مطار القاهرة عقب اندلاع مظاهرات25 يناير كان فرانك ويزنر (وصل يوم 31 يناير)... ويزنر رسميا مبعوث شخصي للرئيس الأمريكي لكنه في الوقت نفسه رجل مخابرات قديم، ويمثل شركة “باتون بوجز" التى تقدم خدمات استشارية للحكومة المصرية وللجيش المصري ووكالة التنمية الاقتصادية المصرية، ومثّلت مصر في قضايا تحكيم وتقاضي في أوروبا والولاياتالمتحدة، وتعمل في مشاريع البترول والغاز والاتصالات والبنية التحتية، وتقوم بالترويج للتجارة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في مصر، ونجحت من قبل في حل خلافات حول اتفاقات مبيعات الأسلحة الناجمة عن قانون المبيعات العسكرية الأمريكية، ويزنر هذا ورط مبارك في الإعلان عن أنه مستمر حتى نهاية ولايته حتى تشتعل الأزمة أكثر فتتمكن الولاياتالمتحدة من تغيير النظام! Comment *