"وفّى بوعده، وانتقم للجنود الذين استشهدوا مساء الأحد الماضي، على أيدي القتلة الكفرة الفجرة"، معتبراً أنه قام "بعملية عبور جديدة".. هكذا خرج علينا "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" ببيانه، (8/8/2012) ، الذي بدت لهجته "حماسية" بأكثر مما هو مُتوقع أو مقبول بعد الانكشاف المدّوي في رفح، التي شهدت جريمة مقتل ستة عشر من جنودنا، بدم بارد، في 5/8/2012، .ذلك أن تعبير "القتلة الكفرة الفجرة" ، يتسم بتشنج مُرعب، يبدو أقرب ما يكون الى تعبيرات " الجماعات التكفيرية" ، فيما بدا تعبير "عملية عبور جديدة" ، مهيناً بكل ما تعنيه الكلمة ل " حرب العبور " التي لا نظنها كانت " نكتة " حتى نصمُها بأنها صارت " قديمة " ! إلى ذلك، فإن ما يستحق وصف " النكتة" حتى لو بدا فجّا وسمجاً ووقحاً، في آن، فهو تصديق مجلس وزراء العدو "الإسرائيلي"، على طلب وزير الحرب أيهود باراك، بالسماح لمصر باستخدام مروحيات مقاتلة، في سيناء، التي نظن وليس كل الظن إثماً أنها أرض مصرية، غير محتلة، بشكل مُعلن، على الأقل!. خاصة لو صدّقنا ما تتناقله وسائل الإعلام "الإسرائيلي"، التي تحدثت عن مستوى غير مسبوق من "الحميمية" في التنسيق الاستخباراتي، بين مصر و"إسرائيل" في أعقاب جريمة رفح، النكراء!. بما يمكننا تفهُم أن يقتات " العجائز" على ما راكموه من " ذكريات" ، يستعيدونها، مراراً وتكراراً، على مسامع من يسوقهم حظهم العثِر الى مجالسهم، لكن الجيوش الوطنية تبقى أرفع شأناً من أن تعيش على الماضي، حتى لو كان مجيداً، من دون أن تسعى ما استطاعت الى ذلك سبيلاً، الى مُراكمة أمجاد على أمجاد، وهو ما يبدو غائباً بالكُلية عن فكر" من تسلموا المسئولية في مرحلة أحوج ما تكون بطبيعتها السائلة التي تشي بالخطورة، الى قامات سامقة، تملك بصيرة إستراتيجية أوفر مما هو مُتاح. لكننا، وبكل الأسف، وجدنا أنفسنا إزاء من وصفتهم جريدة "الجارديان" أول أمس بأنهم:" رأوا حقيقتهم، وأنهم ليسوا سماسرة السلطة في الدولة العميقة، وإنما هم مجموعة فاسدة وفاشلة، غير قادرة على حماية سيادة الدولة في جزء من أراضيها التي يسيطرون عليها بشكل كامل"، قبل أن تُلقمنا حجراً ضخماً بكشفها ما سار به الرُكبان، دون أن يجرؤ أحدهم على البوح به:" يجب استبدال الضباط الكبار بضباط أصغر سنًا، ولاؤهم للدولة وليس لمحافظ نقودهم"! بناء على ما تقدم، يمكننا أن نفهم دلالة هذا الاستخدام في غير موضعه لاسم " العبور" العظيم، والتي تعيدنا الى حقيقة دالة هي الأخرى، حيث أن أشهر وأكبر سوق لتجارة الخضروات في مصر هو " سوق العبور" !.. ما يشي بمعان شتى، جميعها تصب في اتجاه واحد: لقد تمت الإساءة الى اسم ومعنى " العبور"، بكل ما يعنيه في الوجدان المصري، عبر الإفراط في اطلاق اسم العبور على أشياء أبعد ما تكون عن المعنى العظيم لحرب العبور. ولعلنا نذكر وصفا قميئاً كان يتم تداوله في الأعمال الدرامية التي واكبت الانفتاح الاقتصادي، سيء السمعة، الذي أعقب حرب العبور، إذ كان يوصف أحد المتسلقين طبقيا من لصوص الانفتاح ممن راكموا ثروات ضخمة في فترة زمنية وجيزة، بعد الحرب، بأنه قد " عَبَر"، والمعنى هنا ينصرف إلى " العبور من الفقر الى الثراء الفاحش"، لكنه كان يسيء ، بوعي أو من دونه، الى معنى عظيم، سطرته دماء عشرات ألوف الأبطال، الذين قضوا في حربي الاستنزاف والعبور، حتى ترفع تلك الأمة رأسها مجدداً، بعد النكسة، التي ألمّت بها في ذلك الصيف القاسي من عام 1967. على أننا على ما يبدو لم نزل أسرى لعقليات " لصوص الانفتاح" ، من مدنيين وسواهم، ممن لا يعرفون للمعاني العظيمة حقها، فيستخدمونها في غير موضعها، مُرسخين واقعا مُعوّجا، سجّله درامياً الراحلان أسامة أنور عكاشه وعاطف الطيب، في شريطهما الباقي في الذاكرة :" كتيبة الاعدام" ، بعد ما يُقارب ربع قرن على انتاجه، حيث يصبح " فرج الأكتع"، عميل الصهاينة أثناء حصارهم للسويس الباسلة، والذي سرق رواتب الجيش المحاصر، أحد كبار رجال الأعمال (السفلية) في دولة الانفتاح ممن يّشار اليهم بالبنان، فيما تم حبس البطل" حسن عز الرجال"، الذي بقى في السويس تحت قصف العدو، بتهمة باطلة، ظلت تلاحقه، بعد خروجه من سجنه الظالم. كان الظُلم أكثر فداحة من أن يُحتمل، إذ يلاحَق " عز الرجال"، في كل مكان يضع فيه قدمه باحثاً عن عمل شريف، يُمكنه من استعادة ابنه، الذي استولى عليه " الأكتع" هو الآخر، من ضمن ما استولى عليه، غداة " النصر المغدو" في "حرب العبور"، وكم بدا مشهد الختام ملحمياً، يستدر الدموع من المُقل الضنينة، إذ يقتص "عز الرجال"، من " الأكتع"، بيده وأيدي بقية رفاقه في "كتيبة الإعدام" الذين عمدوا، بعد انسداد أفق "العدالة الرسمية" أمامهم، إلى تنفيذ "حكم الشعب" العادل بأنفسهم، مُصوبين إلى "الأكتع"، رصاصات مسدساتهم، التي حاول أن يهرب منها داخل متجره الممتلأ بمنتجات استهلاكية، مطيحاً بيده، بما ازدحمت به رفوفها من أكياس مكرونة، ومعلبات غذائية، وزجاجات مياه معدنية، قبل أن ينكفئ على وجهه، بلا حراك! Comment *