لم أكن أتصور أن الليل يمر على المظلومين طويلا لهذا الحد فأنا أعلم أن ليلة الظلم طويلة لكنني لم أخضها يوما قبل الجمعة الماضية 4مايو التي اعتقلت فيها أنا وأحد زملائي الصحفيين أثناء تغطيتنا لاشتباكات العباسية التي وقعت بين متظاهرين وقوات من الجيش والشرطة العسكرية, فلم نفعل شيئا يستحق العقاب الذي وقع علينا سوى أننا كنا نرصد انتهاكات جيش - سيسجلها التاريخ - في حق متظاهرين سلميين يبحثون عن الحرية. بدأت القصة عندما قررت أنا وزميلي إسلام أبو العز (صديق السجن) النزول لنقل وقائع الاشتباكات التي دارت في محيط ميدان العباسية والتي سبقها اعتصام استمر لأيام, قررنا التوجه لميدان العباسية من شارع الجيش وميدان عبده باشا, لاسيما وإن كل الطرق المؤدية للميدان كانت مغلقة, وفى طريقنا إلى هناك تشكك فينا بعض أهالي العباسية عندما حاولنا الاختباء في أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من شارع الجيش خوفا من إلقاء الجيش القبض علينا, كنا نظن أن الأهالي سيكونون أرحم بنا من أفراد الشرطة العسكرية لكن ذلك لم يحدث. كنت أظن أن التأكيد على أننا صحفيون نمارس مهام عملنا وما كلفنا به سيقلل من حدة التعامل معنا والاعتداء علينا لكن ذلك أيضا لم يحدث.. فبعد أن سلمنا شباب من العباسية للشرطة العسكرية وعدد من ضباط الصاعقة أرغمونا على النوم على بطوننا وأيدينا خلف ظهورنا و قال أحدهم بعد أن انهال أحدهم بالضرب علي رأسنا وظهورنا لأننا في بداية الأمر رفضنا طلبهم, حيث قال أحدهم "نام يا ابن دين .................. على بطنك منك له لحد ما نشوف لكوا صرفة ". الغريب في الأمر هو أن شبابا سلفيا سلمهم شباب العباسية بعد أن أصيبوا بجروح قطعية في كافة أنحاء الجسم, حيث كان يحمل الشباب المرافقون للجيش الأسلحة البيضاء في حماية ومباركة الشرطة العباسية. واقتادونا بعد ذلك للعميد ممدوح أبو الخير - الشهير بأدائه التحية العسكرية للمخلوع حسنى مبارك – الذي أطلق في وجهنا سيل من السباب بل إن صديقي أبو العز ناشده أن يسمح له بتناول علاجه لكنه رد قائلا "ما تموت ولا تغور ف داهية يا ابن....... ". الرحلة منذ إلقاء القبض علينا في ميدان عبده باشا إلى سيارة الترحيلات التي ستنقلنا فيما بعد إلى الشرطة العسكرية استغرقت 20 دقيقة ربما هي الأطول في حياتنا.. بعد أن أصدر أبو الخير تعليماته لهم باقتيادنا لمقر التحريات العسكرية بشارع الخليفة المأمون ، لم يرنا ضابط أو مجند أو حتى قوة الحماية المدنية إلا و "علموا علينا" بأي شيء كان وقتها في أيديهم ، عصا خشبية كانت أو هراوات أو بالبيادة وأحيانا بالخوذ ناهيك عن السباب و اتهامات أننا "عملاء وخونة و نريد أن نحرق مصر", أحد الضباط كان يقود إحدى سيارة "جيب" خاصة بالجيش كان يريد أن يربطني في السيارة وعندما ارتميت علي الأرض خوفا من حدوث ذلك انهال عليّ ضباط وعساكر الشرطة العسكرية بالضرب حتى تدخل أحد الرتب وقال "كفاية كدا لو مات ولا حصله حاجة وغار في داهية هتحصل مشكلة, يلا دخلوه على جوه". و بعد رحلة رأينا فيها الموت في كل لحظة وخرجت منها أنا بمجموعة من السجحات والكدمات وكسر في إصبعين وخلع في مفصل مرفق اليد اليمنى - طبقا للتقارير الطبية الموثقة بعد إجراء عملية جراحية لمحاولة إصلاح ما تفكك مني - وصلنا أخيرا لتحريات الشرطة العسكرية, وهى عبارة عن غرفة 3 متر ف 3 متر محتجز بها ما يقرب من 60 شخصا, منهم من كسرت ساقه أو يده أو فتحت رأسه ومنهم من امتلأ جسده بالكدمات, وكنا نستغل دخول بعض المقبوض عليهم و انشغال عساكر الشرطة العسكرية بالاعتداء عليهم وسرقة متعلقاتهم الشخصية لنتحدث قليلا لبعض ويتعرف كل منا على الآخر. وجدت الصحفي والطبيب وطالب الهندسة والمحامي والمحاسب والشيخ والشاب والفتاة, وقال لي أحد الشيوخ "حتى الصحفي اللي عشمانين إنه يقف معانا بعد ربنا موجود معانا هنا.. ملناش غير ربنا و حسبي الله و نعم الوكيل". في عربة الترحيلات التي كان بها أكثر من خمسين على الرغم من أنها لا تستوعب كل هذا العدد, انتقلنا من التحريات العسكرية إلى النيابة العسكرية بالحي العاشر, منا من استوعب الضرب والإهانات والسباب لكننا لم نستوعب أن يغلقوا منافذ الهواء حتى كدنا نختنق, لكن بقي ان هناك على الجانب الآخر من مازال يحمل بداخله قلب أو ربما هذا ما بدا لنا ومازلت متمسك بحدوثه رغم محاولة البعض الإحياء بأن ما تم معنا كان جزء من التعليمات . ما شعرت به إن سائق العربة والضابط المرافق له كانا يرفضان بشده ما يحدث ضدنا من انتهاكات والدليل على ذلك أنهم كانوا يدخلون لنا الماء لنشرب من إحدى فتحات الشباك المطل عليهما, ولم يتوقفا عن إعطائنا المياه إلا بعد أن شربنا جميعنا. وعد بعض ضباط وعساكر الجيش لنا في النيابة العسكرية بأنهم سيبحثون في سجلاتنا، ويطلقون سراح جميع الطلاب والمظلومين هدّأ من روعنا بعض الشيء.. دخلت بعد ذلك لغرفة التحقيقات ووجدت المحقق يرتدي الزي العسكري ويفتح كتيب قانون القضاء العسكري ويحدثني منه عن التهم الموجهة لي والتي أبلغني أن مجمل عقوبتها 15سنة أشغال شاقة, ثم سألني السؤال الذي لم يفارق ألسنة كل من قابلتهم خلال سجني وهو" إيه اللي وداك العباسية؟", لأرد عليه وأقول: كنت أمارس عملي كما تمارس أنت عملك الآن و كما مارس الجميع عمله عندما اعتقلونا, أبلغته أنني صحفي ولا يجب التعامل مع الصحفيين بهذا الشكل وإهانتهم كل هذه الإهانات, وشددت علي ذلك, لكنه لم يعر ما أقول أي اهتمام. سألني المحقق "لماذا تخاف من عقوبة السجن , هو انت مش مظلوم؟" لأجد نفسي أقول "اه مظلوم وكل حاجة, بس أنا عارف إن القضاء العسكري ممكن يكون فيه ظلم, مهو برضو سيدنا يوسف كان مظلوم", ليرد عليا قائلا "إنت بتشبه نفسك بيوسف وبتشبهني بفرعون " فرددت عليه " فرعون دا كان أيام سيدنا موسى مش يوسف يا فندم " , فاجئني ما قاله لي المحقق عندما قال " أنا كتبت أن الشرطة العسكرية هي التي اعتدت عليك لأن ذلك ضدك ويؤكد الاتهامات الموجهة إليك بأنك اشتبكت مع قوات الجيش وحاولت عبور السلك الشائك " . بعد انتهاء التحقيقات اقتادونا لعربة ترحيلات أخرى ستقلنا إلى مقر سجننا كنا نتمنى ألا تكون قبلتهم إلى سجن الاستئناف , و في الطريق حاول السجناء السلفيين أن يطمئنوا الآخرين بأن الداخلية لن تعتدي بالضرب علينا وتنتهك حقوقنا كما فعل الجيش وأن رجالها تغير سلوكهم بعد الثورة ولكن ما حدث كان عكس ذلك حيث كان بانتظارنا ما يسمى " بالتشريفة " , و جميعنا يعلم ما هي .. حتى إن أحد الشباب الملتحين تكسرت أصابعه وهو يحاول الدفاع عن أحد كبار السن الذين انهالوا عليه بالضرب , بعدها جردونا من ملابسنا و قدموا لنا ملابس السجن البيضاء قبل أن يحلقوا لنا شعرنا و يتركوا الذقون , ثم أخذونا بعد ذلك كي يتركونا في أحد العنابر, وقبل ذلك فقد أحد الشباب الوعي نتيجة نزفه كميات كبيرة من الدم وكان في حاجة لإسعافه لكنهم لم يفعلوا ذلك وصوبوا تجاه خراطيم المياه ليجبروه على القيام , يدي المكسورة لم تشفع لي عند سجاني .. فقد أجبرنا أحد ضباط السجن على الزحف على بطوننا وأيدينا خلف ظهورنا مسافة 30 أو40 متر هي طول الطرقة التي في آخرها العنبر . كنا نتصور أن المساجين سيستقبلوننا في العنبر بالتشريفة هم الآخرون خاصة وأنهم اختاروا عنبر مساجين القتل ليضعونا معه , لكن كانت المفاجأة أنهم كانوا ارحم بنا من الشرطة والجيش , استقبلونا بعلامات النصر وهم يرون فينا الأمل في أن نحررهم من الظلم الذي تعرضوا له قبل وبعد الثورة , بل إنهم قاموا بالاعتداء على بعض عساكر السجن عندما حاولوا الاعتداء على بعضنا أثناء دخولنا للعنبر . وعندما رفض السجانين إسعافنا ومداواة جروحنا وكسورنا على الرغم من مناشداتنا , فوجئنا أن من قام بإسعافنا وتقديم كافة الأدوية والمسكنات لنا هم المساجين الذين كنا معهم , وعندما كنا نشاهد التلفزيون المصري داخل العنبر ونرى ما يبثه المجلس العسكري ويظهر أننا بلطجية ومسلحون حاولنا الاعتداء على الجيش كنا نخشى أن يتغير موقف المساجين ولكن المفاجأة الأكثر سرورا لنا هي أنهم كانوا متأكدين من تعرضنا للظلم كما تعرض له الثوار الذين سبقونا في العنبر نفسه وكان آخرهم شاب يدعى السويسي ، أحد الذين تم اعتقالهم بتهمة حرق مصلحة الضرائب في أحداث محيط وزارة الداخلية .. فبالتأكيد هم كانوا أرحم منهم . قضينا يومين شعرنا خلالهما بالظلم حتى قمته, فعندما يتم اعتقالك وأنت تمارس عملك فهذا ظلم , وعندما يتم اعتقالك من داخل مسجد النور و أنت تصلى فهذا ظلم ، وعندما يجبرونك أن تضع رأسك في الأرض " و لو انت راجل ترفعها " هذا ظلم .. قال لنا أحد من أمرونا بالزحف مش انتوا بتقولوا إرفع راسك فوق انت مصري الراجل فيكو يرفع راسه زي ما بتقولوا "، وعندما تغادر بيتك تاركا خلفك زوجة و بيتا وأطفالا و لا تعود لهم كما كان مقررا ولا يعرفون أين تكون فهذا ظلم , و عندما تاتي من اندونسيا لتدرس لغة العربية في جامعة الأزهر ويقبض عليك أثناء مرورك صدفة بالعباسية فهذا ظلم .. (ملحوظة : من ذكرتهم في هذه الفقرة من الذين تعرضوا للظلم قابلتهم بالفعل في الأيام التي تعرضت فيها للظلم أنا وصديق السجن ، إسلام أبو العز)، لكن هذا لن يمنعني أبدا عن الدفاع عما أراه حق وعدل ومواصلة الطريق الذي بدأته وتعلمته في حياتي المهنية الصغيرة. قال صديقي للعميد ممدوح أبو الخير أنا صحفي وعاوز علاج فقال له " ما تموت وتروح في داهية يا ابن .. ثم بدأت حفلة الضرب أجبرونا على الزحف على بطوننا في طره.. وقال لنا أحدهم مش بتقولوا ارفع راسك فوق انت مصري .. الراجل فيكوا يرفعها ضباط صاعقة أرغمونا على النوم على بطوننا وأيدينا خلف ظهورنا وقال أحدهم "نام يا ابن دين .... على بطنك لحد ما نشوف لكوا صرفة " لم يرنا ضابط أو مجند إلا و"علموا علينا" بأي شيء عصا أوبيادة وأحيانا بالخوذ ناهيك عن السباب واتهامنا أننا "عملاء وخونة" خرجت من الرحلة بمجموعة من السجحات والكدمات وكسر في إصبعين وخلع في مفصل.. وإصرار لن ينتهي على مواصلة الطريق